المحور الثاني: حرية الإرادة
إذا كان رواد الفلسفة المعاصرة (ميرلوبونتي + مونيي + فرويد + دوركايم...) قد تناولوا مشكلة الحرية في علاقتها بمفاهيم الحتمية والضرورة والاشراطات، فإن رواد الفلسفة الحديثة (ديكارت، كانط...) عالجوها في علاقة بمفهوم لا ينفصل عنها، يتعلق الأمر بمفهوم الإرادة. فما علاقة الحرية بالإرادة؟ وكيف تعد الإرادة التجسيد الفعلي لحرية الإنسان؟ ثم ما مجال حرية الإرادة؟
تحليل نص/ موقف ايمانويل كانط:
إن الإنسان من حيث هو كائن عاقل هو وحده من يتمتع بحرية الإرادة كقدرة على فعل ما يجسد إنسانيته دون الخضوع لأية إكراهات غير ما يمليه عليه عقله فقط وكذا التزامه الأخلاقي.
إذن فمجال ممارسة الإرادة الحرة –حسب كانط- هو مجال الأخلاق والعقل اللذان يفرضان عليه ضرورة الالتزام بقواعد وضوابط تعكس إرادته الحرة في الفعل ضدا على ميولاته ورغباته. هذا ما أكد عليه "ديكارت" أيضا عندما اعتبر ان الحرية هي القدرة على التصور والتفكير، وكذا التمييز والحكم في تعالٍ تام عن كل ما هو لاعقلاني في الإنسان.
لكن السؤال المطروح هنا: ألا يشكل هذا التصور إقصاء لكل ما هو غريزي وحسي في الإنسان، ولدوره وتأثيره في الفعل الإنساني؟
تحليل نص / موقف فريدريك نيتشه:
يرى "نيتشه" بأن مجال الإرادة هو إرادة الحياة، وهذه الإرادة في الحياة هي ما تم إقصاءه من طرف من يزهدون فيها عبر اضفاء طابع أخلاقي عليها في ظل اقصاء تام لما هو غريزي في الإنسان، لأن إرادة الحياة هي رغبة غريزية فبل أن تكون مطلبا أخلاقيا.
هكذا فنيتشه يدعو إلى ضرورة أن نحيا الحياة كماهي بشكل يكرس إنسانية الإنسان، لأن ما يجعل من الإرادة في الحياة إرادة حرة هو عدم تقيدها بالأخلاق فقط، وإنما تكريس ما هو إنساني في التجربة الإنسانية.