تقوم كل دولة على العنف إنشاء فلسفي

موضوع مقالي في مادة الفلسفة: صيغة القولة:

 » تقوم كل دولة على العنف

حلل (ي) القولة وناقشها

الإنشاء الفلسفي (نموذج للإستئناس)

مطلب الفهم والتأطير 

     تحيل السياسة بالتعريف على فن أو عام تدبير شؤون الأفراد وحاجياتهم العامة، داخل جهاز سياسي يسمى الدولة، وتعتبر مؤسسة الدولة الجهاز الذي يجسد الممارسة السياسية للمجتمع، إلا أن هذا الجهاز قد كان موضوع نقاشات طويلة في حقل الفلسفة السياسية، بسبب الطبيعة المتناقضة لهذا الجهاز، الذي ظهر في أول أمره لتنظيم العلاقات بين الأفراد من خلال قانون متواضع حوله، يضمن للمواطنين ممارسة حرياتهم، لكن في مقابل ذلك يعتمد على آليات قاسية لتطبيق هذا القانون ترتكز على القوة والإخضاع. هذه المفارقة تضعنا أمام قضية أو إشكال أساس قيام الدولة وعلاقة الدولة بالعنف وبالحق، قضية يمكن بسطها من خلال مجموعة من الأسئلة: هل الدولة تجسيد للعنف أم للحق؟ وما هي الآليات التي تعتمد عليها لممارسة السلطة؟ مامعنى أن كل دولة تقوم على العنف؟

مطلب التحليل

    تحمل القولة موضوع التحليل أطروحة فلسفية مضمونها، أنه لا يمكن لأي دولة أن تقوم  وأن تستمر في البقاء والوجود إلا إذا ارتكزت على القوة والإخضاع، كأداة لفرض ذاتها على الأفراد الذين يشكلون كيانها. فالدولة ولكي تحفظ وجودها وسلطتها يلزمها العنف والقوة باعتبارهما ركيزتين أساسيتين لا غنى لها عنهما، وإلا كان مآلها الانهيار وبالتالي الزوال. كما تحمل قولة في بنيتها المفاهيمية مفهومين فلسفيين، وهما: مفهوم الدولة، وهي كتجمع تنظيم سياسي لجماعة ما على أرض محددة، يهدف حماية القانون وتأمين النظام عبر مجموعة من المؤسسات السياسية والقانونية ومن خلال أجهزة عسكرية وإدارية وإيديولوجية... ومفهوم العنف باعتباره إفراط في استعمال القوة تجاه الغير، وذلك من أجل إخضاعهم لإرادة الذات ضد إرادتهم، وتتكون القولة على المستوى المنطقي من قضية ومقولة، القضية هي: "قيام الدولة"، والمقولة هي: "العنف"، والعلاقة البرهانية بينهما علاقة شرطية، وهي أحد أشكال البرهنة وخاصة البرهان المباشر، وتتمثل في العلاقة الضرورية بين الشرط والمشروط، فالشرط هو العنف، والمشروط هو قيام الدولة. إن التصور الذي يشرط قيام الدولة بالعنف، نجد له استمرار في موقف ماكس فيبر الذي يؤكد أن العنف المادي المشروع هو الأداة المميزة التي ينبني على أساسها وجود الدولة، باعتباره الوسيلة الناجعة لممارسة السلطة، وهكذا فالدولة المعاصرة هي تجمع بشري يطالب، في حدود مجال ترابي معين، بحقه في احتكار استخدام العنف المادي المشروع، وذلك لفائدته. إن ما يميز عصرنا، حسب فيبر، هو أنه لا توجد جماعة سياسية، ولا يوجد فرد، يكون من حقهما اللجوء إلى استخدام العنف، إلا شريطة موافقة الدولة على ذلك.

نخلص من خلال التحليل إلى أن الدولة تربطها علاقة وطيدة بالعنف، حيث إنه يمثل أساس بقائها، لكن إلى أي حد يمكن قبول هذا التصور؟ ألم تقم الدولة على أساس الحق وتطبيق القانون حماية للحقوق والحريات؟

مطلب المناقشة

((قيمة الأطروحة + التصورات المؤيدة))

لقد تبين من خلال ما تقدم أن القولة والأطروحة التي عبرت عنها لها قيمة وأهمية من عدة جوانب؛ من ناحية واقعية حيث أبانت عن واقعيتها من خلال نقلها لواقع الدول الحديثة وحتى المعاصرة، التي تتخذ من العنف وسيلة أساسية لفرض سلطتها وبالتالي ضمان وكدليل على ذلك بعض الدول العربية (مصر، سوريا..)، وأما من ناحية تاريخية فقد عبرت لنا الأطروحة عن تاريخ مجموعة من الدول التي قامت على العنف واستمرت في ممارسة سلطتها من خلاله نذكر على سبيل المثال ألمانيا النازية في عهد هتلر، وايطاليا الفاشية في عهد موسوليني، والاتحاد السوفيتي مع الحزب البلشفي. وفي صدد إفراز العلاقة التأسيسية الشَّرطِية بين الدولة والعنف، نستحضر موقف هوبز الذي يؤكد أنه بالرغم من كون الدولة نتاج لتعاقد إرادي حر إلا أنها تتخذ من العنف وسيلة أساسية لفرض سلطتها على المواطنين وتدبير الشأن العام، فالحاكم ينبغي أن يكون قويا أشبه بتنين يحكم رعاياها بقبضة من حديد.

((حدود الأطروحة، المواقف المخالفة))

لكن وعلى الرغم من كل ذلك فإن التفكير في قضية الدولة وعلاقتها بالعنف، وبالحق من جهة ثانية، يكشف مدى قصور ومحدودية التصور أو الأطروحة التي عبرت عنها القولة، وذلك من جوانب مختلفة؛ واقعية، وقانونية، وأخلاقية،، ففي ظل التحولات السياسية والاجتماعية والقانونية، وتعدد مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والفصل بين السلط السياسية المختلفة، والوعي بالحقوق والحريات الأساسية الفردية والجماعة، والسياسية وسيادة القانون واحترام الشخص والكرامة الإنسانية وغيرها من المبادئ، لا يمكن الحديث عن دولة تقوم على العنف والقوة، إنما دولة تقوم على الحد من العنف وتجسيد القانون احتراما لحقوق الإنسان الكونية وصونا لكرامته الإنسانية. هذا التوجه القانوني الحقوقي للدولة عبر عنه مجموعة من الفلاسفة من بينهم على سبيل المثال لا الحصر نذكر جاكلين روس، التي حددت ثلاثة ملامح لدولة الحق، وهي: احترام الحق والقانون، الفصل بين السلط، احترام الشخص والكرامة الإنسانية. مبادئ تحمي الدولة من السقوط في يد الاستبداد. كما أن دولة الحق والقانون ليست صيغة جامدة في نظر روس، وإنما هي عملية بناء وإبداع دائم للحرية. أما ماكس فيبر فيعتبر الدولة هي المصدر الوحيد « للحق » في ممارسة العنف المادي.

   إن العلاقة بين الدولة والقوة والعنف ليست قضية معاصرة، بل ترجع إلى نقاشات قديمة، وإلى فلسفة الأنوار تحديدا، حيث نجد نيقولاي ماكيافيلي ينصح الأمير باستخدام كل الوسائل المتاحة للحفاظ على سلطته، ما دامت الغاية تبرر الوسيلة، وذلك بالاعتماد على القوانين إذا كانت كافية، وعلى القوة إن اضطر إلى ذلكأما في الثقافة العربية الإسلامية، فنجد عبد الرحمان ابن خلدون يدعو السلطان بأن لا يكون قاهرا باطشا بالعقوبات لأن ذلك سيؤدي بالرعية إلى الذل والخوف، أي فساد أخلاقهم ما يدفعهم إلى الكذب والمكر والخديعة، لذا نصحه بأن يكون معتدلا في حكمه لا متسلطا "منقبا عن عوراة الناس".

مطلب التركيب

     على سبيل الختم، نستنتج أن الدولة دائما تعتمد على العنف كآلية ووسيلة لفرض إرادتها على المواطنين، ولكن إن كانت هذه الدولة، دولة قمعية واستبدادية، استعمل العنف لقهر المواطنين والمعارضين، فكان العنف بذلك غير مشروع، وإن كانت دولة ديمقراطية، دولة الحق والقانون، فإن العنف يكون مشروعا لأنه يسخر لصالح تطبيق القانون، وحماية المواطنين.

تكمن أهمية الإشكال في التعرف على أشكال الدول وطرق ممارسة السلطة، أما رهانه فهو دولة خالية من كل أشكال الاضطهاد العنف، دولة مثالية أو فاضلة كما سماها أفلاطون.

*القولة لتروتسكي

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق