الشك المنهجي الشك من أجل اليقين

الشك المنهجي

على خلاف الشك المذهبي الذي يتخذ من الشك وسيلة وغاية، فإن الشك المنهجي وسيلة لا غاية في ذاتها.

إن الشك المنهجي ضروري للباحث أو الفيلسوف ليبعِد به الآراء المسبقة، وذلك لكي يكون البحث موضوعيا، أي خاليا من كل المؤثرات الذاتية من ميول فكرية أو عقدية أو أيديولوجية أو اجتماعية.. 

هذا النوع من الشك اتبعه سقراط في محاورة ومناقشة خصومه من السفسطائيين. كما أكد أرسطو من جهته على العلاقة الوثيقة بين الشك والمعرفة الصحيحة. وهذا ما ذهب إليه فرانسيس بيكون عندما حذر من أوهام المسرح، ويقصد مجموع التخمينات والعروض الوهمية التي غالبا ما ضللت الفلاسفة والعلماء.

ويرجع الفضل في وضع وإساء الشك المنهجي على أسس سليمة إلى الفيلسوف الفرنسي روني ديكارت، بقوله إننا لكي نبحث عن الحقيقة ينبغي أن نشك في كل ما يصادفنا من أشياء ولو لمرة واحدة في حياتنا.  وذلك حتى نتمكن من أن نتوصل إلى المعرفة العقلية السليمة والواضحة.

إن الشك المنهجي بما هو منهج ليس حكرا، ما دام العقل خاصية مشتركة بين الناس جميعا، ف«العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس».  ومع ذلك فهناك مجال كبير لتفضيل بعضهم على بعض، فلا فضل لأحدهم على الأخر إلا بحسن استخدام هذه الملكة التي جباه الله بها وحسن التفكير وقدرة كل واحد على توضيح أفكاره وإصراه على ألا يقبل في عقله إلا ما كان واضحا متميزا.

وبعد عملية الشك في كل شيء وفي وجود الأشباه من الناس، يكون المرء قد تهيأ إلى أن يصل إلى اليقين الأول وهو يقين النفس أو الكوجيطو. لأن تمة شيئا واحدا يظل قائما في بعيدا عن الشك وهو الفكر. فالإنسان وهو يشك يحتاج إلى أن يفكر، وأن يفكر معناه أن يشك، وهكذا، لأنه كما يقول ديكارت «أنا أشك، أنا إذن أفكر، وأنا أفكر إذن أنا موجود».

هذا الشك الديكارتي حسب "يحي هويدي" هو النموذج الصحيح للشك الفلسفي بمعنى الكلمة، فهو يمثل خطوة أساسية من خطوات الموقف الفلسفي.

وقد أخذ بهذا المنهج إدموند هوسرل (1759-1938) صاحب الفينومينولوجيا أو فلسفة الظاهرات، وذلك تحت مسى "الإبوشية" كمنهج فينومينولوجي شكي، يقوم على تعليق الحكم أي وضع الأشياء بين قوسين قبل الحكم عليها.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق