أهمية الأسرة في الإسلام - قضايا الأسرة المسلمة

أهمية ومكانة الأسرة في الإسلام

     تعد الأسرة أساس المجتمع الإسلامي، فهي وحدة أساسية من وحدات العمران الكوني، وهي فطرة وسنة اجتماعية حرص الاسلام على تنظيم أحكامها لضمان استمرار وجودها في المجتمع وتماسكه: ففصّل في الأحكام والتشريعات المتعلقة بها ما لم يفصل في غيرها من الأحكام، وأثار الانتباه إلى ما يسمى بالأسرة الممتدة التي تقوم على مجموعة من القيم والمفاهيم التي تعمل على بقاء تلكيان الاجتماعي وحدة واحدة متكاملة، وه ما يظهر في قوله الله عز وجل "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ".[1] ومن الآيات القرآنية التي تربط بين التوحيد وبر الوالدين وصلة الرحم والتقوى والإحسان، وتربط كذلك بين قطيعة الرحم والفساد في الأرض؛ قوله تعالى: "وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِۦ شَيْـًٔا ۖ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا وَبِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلْجَنۢبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا".[2] وقال عز وجل: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً* رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً.[3] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "إن الله خلق الخَلقَ حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصِلَ من وصَلَك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك. قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: فاقرءوا إن شئتم: "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم".[4]

إن النموذج الإسلامي للأسرة يعرضها على أنها وحدة أساسية من وحدات الإعمار الكوني، وبناءً أساسيا من أبنية المجتمع الإسلامي، وهي مؤسسة طبيعية تراحمية تحكمها قيم الفضل والعفو والتقوى، وليست مؤسسة اصطناعية ذات طبيعة صراعية تنافسية تخضع لعلاقات توازن القوى.[5] ولم يكتف الإسلام بالاهتمام بالأسرة النواتية فحسب، بل تعداها إلى ما يسمى بالأسرة الممتدة من باب المسؤولية العقدية، يقابلها رضى الله تعالى على المستوى الإيماني، ووجود تعاون وبذل على المستوى الاجتماعي، وحماية لصلات القرابة التي تمثل سياج حماية للأسرة الصغيرة التي لا تستطيع القيام بوظائفها بنجاح إلا ف يظل السرة الممتدة.

من هنا تتضح أهمية الأسرة في الإسلام، فقد بالغ في العناية بها وأعطاها اهتماما كبيرا، أحاطها بسياج متين، وجعل لها نظاما متميزا يقيها حر الفتن التي تتصيدها بالصباح والمساء. ويمكن إجمال القول عن أهمية ومكانة الأسرة في الإسلام في النقاط الآتية:

أ‌- فالأسرة في الإسلام تعد صورة مصغرة للمجتمع ودعامته الأولى التي تقوم مقام الأساس من البناء، قال تعالى "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ".[6]

ب‌- الأسرة أساس استقرار المجتمع، وقلعة من قلاع الإسلام، وحصن من حصون الإيمان، إذا صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع بأسره. فالأسرة مهد الطفل ومرعاه الأول، منها تنطلق مسيرته لبناء شخصيته في جميع مراحل عمره، وفي رحابه يكتسب أخلاقه وعقيدته وتربيته... قال جل علاه "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ"،[7] وقال سبحانه "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى".[8]

ت‌- تأكيد الإسلام على بداية التكوين الأسري ووحدة البناء الاجتماعي في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".[9]

ث‌- تأكيد القرآن الكريم على أهمية الأسرة من خلال عرضه للعلاقات الأسرية؛ حيث نبه إلى العلاقات الأسرية الوالدية من خلال التوصية بالإحسان إلى الوالدين: "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ".[10]

وقد نبه الإسلام إلى العلاقة الأسرية الأخوية من خلال قصة كليم الله موسى مع أخيه هارون - عليه السلام – "قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي* يَفْقَهُواْ قَوْلِي* وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي* كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً* وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً* إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً"[11]. كما نبه إلى أهمية الأسرة من خلال العلاقة الأسرية الزوجية، حيث وصف الزواج بالميثاق الغيظ في قوله تعالى "وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا".[12] ليبين قداسة عقد الزواج الذي يتمخض منه تأسيس أسرة. كما جعل أهم مقصد للزواج تحقيق السكان النفسي الوجداني المودة والرحمة بين الزوجين، مما ينتج عنه أسرة مستقيمة يسودها الاستقرار والطمأنينة والسكينة، ومن ثم تلقي بظلالها على المجتمع كله؛ "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".[13]

كما نبه القرآن الكريم إلى أهمية الأسرة من خلال العلاقة الولدية (النبوية) في قوله جل شأنه "إِذۡ قَالَ لُقۡمَٰنُ لِٱبۡنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ (13) وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ (14) وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (15) يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرْ (16) يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ (18) وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِيرِ".[14] وفي قوله عز وجل "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ".[15]

كما نبه على العلاقة الأسرية الممتدة التي تشمل الآباء والإخوة والأعمام والعمات والأخوال والخالات والأصدقاء.. في قوله جلّ ذكره "ليْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ۚ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"[16].

      ومسك الختام فـللأسرة في الإسلام وظيفة مقدسة ورسالة سامية في المجتمع والحياة؛ لذلك توالت عليها ضربات الأعداء وأصحاب الملة العوجاء في الداخل والخارج، لهدم صرحها، ونقض أسسها ودعائمها، لذلك وجب على المسلمين جميعا حماية الأسر المسلمة، وذلك ببنائها على مبادئ الإسلام ودعائمه وأسسه، والابتعاد عن الفرقة والنزاع وكل المشكلات التي تسبب الطلاق وتفكيك الأسرة، واستحضار مراقبة الله تعالى في كل حركة من حركات الأسرة وسكناتها، وتعاون الجميع من الأقارب والجيران والمجتمع على النهوض بالأسر المسلمة ماديا ومعنويا...

الهوامش

[1] - النحل الآية 72،
[2] - النساء الآية 36،
[3] - الإسراء الآيات 23-24-25،
[4] - البخاري، محمد بن اسماعيل، صحيح البخاري، المطبعة المطفية، كتاب الآدب، باب: من وصل وصله الله، حديث رقم 5987، والآية "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم" محمد رسول االله صلى الله عليه وصلم،
[5] - عزت هبة رؤوف، المرأة والعمل السياسي، هيرندن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، سلسلة الرسائل الجامعية (18)، ط 1،1995م، 187 (بتصرف)،
[6] - النحل الآية 72،
[7] - التحريم الآية 6،
[8] - طه الآية 131،
[9] - الحجرات الآية 13،
[10] - الاحقاف الآية 14،
[11] - طه الآيات من 24-34،
[12] - النساء الآية 21،
[13] - الروم الآية 20،
[14] - لقمان الآيات من 12-18،
[15] - الصفات الآية 102
[16] - النور الآية 59،
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق