أسس الفلسفة البراغماتية أصولها الفلسفية والعملية.

أصــول الـــفـلـسـفـة الـبـراغـمــاتـيــة

لقد كانت الفلسفة البراغماتية محظوظة لوجود زخم معرفي جاهز الشيء الذي يسهل مأموريتها في قيادة الفكر، ولعل ما يميزها هو تشبثها بفكرة الانفتاح. ترجع جذور البراغماتية حسب بعض المهتمين إلى تربة الفلسفة اليونانية، لذاك نجد بعض المؤرخين قد التمس أصولها في شقين: شق فلسفي، وأخر علمي.

الأصل الفلسفي:

إن أهم دليل على أن البراغماتية يونانية المنشأ رهين بالمرور عبر محطات فكرية عدة شهدها تاريخ الفكر:

المحطة الأولى مع السفسطائيين؛ اللذين اقروا بأن الخبرة الإنسانية تختلف من فرد إلى فرد، وأن الواقع هو كما يبدو للفرد، وأن الأخلاق والدين والمعتقدات والمعرفة نسبية، وهو ما لخصوه في سعارهم "الإنسان مقياس كل شيء" أي نبذهم للحقيقة المطلقة وتشبتهم بالحقيقة النسبية.

المحطة الثانية؛ يمثلها أفلاطون وتلميذه أرسطو، يقول" إن التجربة مكون أساس للمعرفة، وأن الحقيقة لا تخرج عن نطاق الواقع العيان" من خلال هذا القول نلمس مدى قوة تأثر البرغماتية المعاصرة بالفلسفة القديمة أما علاقتها بأفلاطون فتتجلى في ايمانها ببعض الأفكار الدينية.

إن البرغماتية قد لخصت هدفها في مبدأ الإصلاح والنفع مع تأكيدها على نسبية الحقيقة. وأن الأساس من الحقيقة الفلسفية هو كيفية تجنب الألم والأذى، وكيفية بلوغ اللذة، وهي نفس الرؤية التي نادى بها سابقا ابيقور، وما يجدر ذكره أيضا أن الطابع النفعي لهذا التوجه الفلسفي المعاصر نلمسه أيضا مع بيكون حيث قال بأن العلم قوة تهدف إلى السيطرة على الطبيعة لتحقيق غاية الإنسان.

كما قلنا سابقا بأن إيمان البرغماتية ببعض الأفكار الدينية الميتافيزيقية هو في حد ذاته استعانة وتوافق مع ما خلص إليه " كانط" في كتابه " نقد العقل العملي".

كما أن تشتبها بالأفكار والتي لا تخرج عن نطاق المعرفة الحسية، هو في حد ذاته قراءة وتوافق مع كتاب كانط" نقد العقل الخالص".

نستنتج من خلال هذه القراءة أن البرغماتية بها ازدواجية الفكرة بين النظر والعمل، وبين الفكر والتطبيق. وهي نفس الفكرة التي أكد عليها " أوغست كونت" الذي قال بأن الميتافيزيقا " مرحلة لا مفر منها في المعرفة الإنسانية".

الأصل العلمي:

إن هدف العلم هو اسعاد البشرية من خلال الإكتشافات التي يصل إليها. والبرامج التي يعمل بها، والتي لا تزيده إلا تقدما وتطورا نظرا لارتباط المباشر بالواقع، وبالتالي فالعالم كما يراه البعض لا يؤدي إلا إلى النفع، وما عادا هاته النتيجة فهو مجرد عبت. نعم لسيطرة العلم على الطبيعة. ونعم لسيطرة الإنسان على العلم. وذلك لتحقيق توازنا من شأنه أن يحقق للإنسانية رغباتها وأغراضها. وحتى لا ينعكس سلبا وندفع الثمن غاليا.

البرغماتية والرومانسية:

للفلسفة العقلية العملية تأثير كبير على البراغماتية، إلا أن الفلسفة الرومانسية هي الأخرى لم تترك نصيبها من ذلك، فقد دفعت بالبراغماتية إلى القول أنه لا يجب الوقوف عند حدود العقل والعلم لتفسير الخبرة الإنسانية، بل يجب أن نعيد الاعتبار للشعور والعاطفة ومدى أهميتها في النجاح. وقد كتب المؤرخ "بيير" كتاب «نزعة رومانية نفعية»، يقول فيه: "إن الفلسفة البراغماتية هي فلسفة رومانسية، تسعى إلى جعل الدين والحساسية والشعور، والعاطفة في مقابل العلم والعقل والمنطق حتى أن وليم جيمس قال «إن النظام المنطقي المحكم يقلق الفيلسوف البراغماتي، لأنه يمحي فرديته من جهة ويسلب حريته من جهة ثانية. بينما الإنسان يسعى إلى إنشاء فردية خاصة به في خندق كون شاسع حتى لا يزعجه أحد»".

البراغماتية والمثالية:

لقد جاءت البراغماتية كثورة على المثالية الألمانية التي شهدها النصف الأول من القرن التاسع عشر، والتي ساعدت كل من انجلترا وأمريكا خاصة الفلسفة الهيغلية التي ترى بأن العمل هو الوحيد الذي يستطيع أن يخبرنا بالكثير عن عالم الواقع. وأن ما عداه مجرد تناقض ووهم. كنا آمنت بوحدة الوجود وبالحقيقة المطلقة، الذي لم تتقبله البراغماتية التي قالت بأن العالم متعدد ومتكثر، يتم الجمع بين عناصره وأشياءه بمجموعة من الروابط. وهذا ما يسمى بمذهب التعددية والكثرة.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق