مفهوم الأسرة والألفاظ ذات الصلة بها

مفهوم الأسرة والألفاظ ذات الصلة بها في القرأن والسنة

يهدف هذا المقال إلى بيان المعنى العام لمفهوم الأسرة، فمن المعلوم أن كلمة أسرة لم ترد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية اسما أو صفة لنظام الزوجية الإنساني أو غيره، غير أن القرآن الكريم استخدم ألفاظا لها دلالاتها الفقهية. ولهذا سنعمل في هذا المقال على تحديد بعض الألفاظ الواردة في القرآن الكريم الدالة على مفهوم الأسرة.

معنى الأسرة في معاجم اللغة، وفي اصطلاح الفقه؛

الأسرة في قواميس اللغة، هي: "الدرع الحصينة، وعشيرة الرجل وأهل بيته، وتطلق على الجماعة التي يربطها أمر مشترك".[1] والأسرة من الأَسْرِ وهو إحكام الربط وقوته، ومن ذلك سميت عشيرة الرجل (أسرة) لأنه يتقوى بهم. أما في الاصطلاح الفقهي ف"تطلق ويراد بها الأب والأم وما انبثق منهما من ذرية أبناء وبنات إخوة وأخوات وأعمام وعمات وعاقلة الفرد"،[2] وبعبارة أخرى هي "مجموعة من الأفراد ارتبطوا برباط إلهي وهو رباط الزوجية أو الدم أو القرابة".[3] ولم ترد لفظة الأسرة في القرآن الكريم، ووردت في الحديث النبوي في غير موضع واحد – فيما نعلم – وذلك لما زنى رجل من اليهود وأنكرت اليهود عقوبة الرجم، فسال لنبي صلى الله عليه وسلم شابا منهم، وقال له: "فما أول ما ارتخصتم أمر الله؟". فقال الشاب اليهودي: "زنى ذو قرابةٍ مع ملكٍ من ملوكنا فأخّرَ عنه الرجمَ، ثم زنى رجل في أسرة من الناس فأراد رجمَهُ فحال قومه دونه، وقالوا لا يرجم صاحبنا حتى يجيئ بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم". فقال النبي صلى الله عليه وسلم "فإني أحكم بما في التوراة".[4] والملاحظ هنا أن لفظة الأسرة جاءت على لسان الشاب اليهودي ولم تأت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد هنا بالأسرة عشيرة الرجل.

إن القرآن الكريم والسنة النبوية ركزا على لفظ الأهل، قال الله عز وجل "ابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها[5] وقال سيدنا رسول الله صلى الله وسلم "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".[6] وجدير بالذكر هنا أن عدم استعمال القرآن الكريم والسنة النبوية والفقهاء القدامى للفظ "الأسرة" لا يعني عدم وجود مضمونها وأحكامها، لكن القرآن الكريم والسنة النبوية ركزا على معنى الزواج والتزويج وما يتعلق بهما من أحكام وحقوق وواجبات للدلالة على معنى الأسرة.... وكذلك ما جاء في كتب الفقه القديم في أبواب الخطبة والمهر والزواج والنفقات والنسب والحضانة والرضاعة والوصية والميراث والطلاق، كل ذلك للتأكيد على مفهوم الأسرة مكانتها وأهميتها.

تبدأ الأسرة بذلك الرباط الوثيق والميثاق الغليظ بين الرجل والمرأة عن طريق الزواج الشرعي. و"الأسرة في الاسلام لا تقتصر على الزوجين والأولاد فقط، وإنما تمتد إلى شبكة واسعة من ذوي القربى من الأجداد والجدات والإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وغيرهم ممن يجمعهم رابطة النسب والمصاهرة أو الرضاع أينما كان مكانهم، وتسع حتى تشمل المجتمع كله".[7]

الأسرة أشكالها / أنواعها؛

وتتخذ الأسرة أشكالا متنوعة يمكن إجمالها في الآتي: الأسرة النواه: وتضم الزج والزوجة والأبناء وتضم جيلين، وتنتهي باستقلال الأبناء ووفاة الأبوين. والأسرة الممتدة: هي الأسرة التي تقوم على عدة وحدات أسرية تجمعها الإقامة المشتركة والقرابة الدموية، وتضم الأجداد والأبناء والأحفاد وزوجاتهم ومن لهم علاقة بهم من الأعمام وأبنائهم... وهي تعتبر وحدة اجتماعية مستمرة لما لا نهاية حيث تتكون من ثلاثة أجيال وأكثر. والأسرة المشتركة: أسرة تقوم على عدة وحدات أسرية ترتبط من خلال خط الأب أو الأم أو الأخت أو الأخ، وتجمعهم الإقامة المشتركة والالتزامات الاجتماعية والاقتصادية.[8] وأسرة المجتمع المسلم: وتشمل كل الأسر المسلمة المكونة للمجتمع المسلم، ويجمعها رابط واحد هو دين الإسلام، تتعاون فيما بينها على البر والتقوى والخير، الفضيلة والقيم الخلقية... فالأسرة الإنسانية: وتشمل كل المجتمعات بمختلف معتقداتها وانتماءاتها وتوجهاتها، ويجمعها خلق واحد، أصل واحد أبوهم آدم والأم حواء.. تتعاون فيما بينها لتحقيق الأمن والأمان، الطمأنينة والسلام.

الألفاظ الدالة على الأسرة في القرأن والسنة

      فكما سبقت الإشارة إلى أن لفظة "الأسرة" لم تكن واردة في النصوص القرآنية ولا الأحاديث النبوية، إنما كانت ألفاظ كثيرة مستعملة في النصوص الشرعية دالة على مفهوم الأسرة. ومن أهم هذه الألفاظ نذكر على سبيل المثال:

الرّهْطُ: رَهْطُ الرجل قومه وقبيلته، والرهط ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة، قال الله تعالى "وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ[9] فجمع وليس لهم واحد من لفظهم مثل دود والجمع أرْهُطٌ، وقوله تعالى "وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ[10]

عشيرة: اسم. والجمع عشيرات وعشائر، وعشيرة الرجل؛ بنو أبيه الأقربون وقبيلته، وتعرف أيضا على أنها مجتمع إنساني صغير يشترك في ملكية واحدة ويتضامن في أخذ الثأر من خصومه، وهو أضيق من القبيلة"،[11] وهي لفظة واردة في القرآن الكريم في قوله تعالى "وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ"[12]

الرحم والأرحام: قال الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن: الرحم: رحم المرأة، ومنه استعير الرحم للقرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة، فالأرحام هم الأقارب من جهة الأم ومن جهة الأب؛ فالآباء والأمهات والأجداد والجدات أرحام، والأولاد وأولادهم من ذكور وإناث وأولاد البنات كلهم أرحال، وهكذا الأعمام والعمّات والأخوال والخالات وأولادهم أرحام، داخلون كلهم في قوله تعالى "وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ[13] ومن العلماء من قصرها على المحارم والوارثين، والراجح المعنى الأول فالأخوال والخالات ليسوا وارثين وهم من الأرحام بإجماع، وابن العم ليس من المحارم وهو وارث. فالرحم واسعة والتعامل بضبطه الشرع بمثل عدم الخلوة لغير المحارم ونحو ذلك.

القربى: وتعني الأرحام والمقربين لقوله تعالى "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا[14]

الأهل: يقول الخليل بن أحمد، أهل الرجل زوجه وأخص الناس به، والتأهل التزوج واهل البيت سكانه وأهل الإسلام من يدين به.[15] وأهل الرجل من يجمعه وإياهم مسكن واحد.[16] والأهل في القرآن الكريم ورد 126 مرة مضافا إلى مفرد أو ضمير يكون قرينة لمعرفة معنى الأهل في الآية. فأهل الشيء: هم أصحابه الملازمون له، أو الأولى بهذا الشيء من غيرهم، يقول الشيخ ابن عاشور: الأهل هم الفريق الذين لهم مزيد اختصاص بما يضاف إليه اللفظ.[17] وما جاء في القرآن يؤكد ذلك، فأهل القرية، وأهل المدينة، وأهل البلد، أهل الأرض، وأهل مدين، وأهل يثرب، وأهل النار، هم أصحابها وساكنوها المقيمون فيها الملازمون لها. وأهل الكتاب وأهل الإنجيل، وأهل الذكر، وأهل التقوى، وأهل المكر، هم أصحابه وحملته. وأهل السفينة هم ركابها الذين تجمعهم. وأهل الرجل في القرآن فقد جاء ذكر الأهل مع الزوجة لقوله تعالى "لَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ".[18] ولم يكن معه ساعتها غير زوجه، ويقول تعالى عن ابراهيم "فرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ"[19] يقصد زوجه. وقال تعالى عن أيوب "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ[20] والمقصود بأهله زوجته. وامرأة العزيز خاطبت زوجها فقالت: "مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا[21] أي بزوجتك. وجاء في سياق الأولاد، قوله تعالى عن لوط: "فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ[22] والمقصود لوط وأولاده. وجاء في سياق الإخوة؛ قوله تعالى عن موسى، "وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي[23] وجاء في سياق الأبوين: قوله تعالى في قصة يوسف على لسان إخوته "وَنَمِيرُ أَهْلَنَا[24] "مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ[25] وعلى لسان يسوف "اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ".[26]

الهوامش

[1] - المعجم الوسيط، إبراهيم أنيس وأخرون، دار إحياء التراث العربي بيروت، 17/1.
[2] - مجموع الفتاوي لابن تيمية، 52/34، والموسوعة الفقهية، وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، الكويت، ج 31 / 31-32،
[3] - تربية الأولاد في الإسلام، محمد المقبل، ص 35،
[4] - سنن أبي داود، كتاب الحدود، باب في رجم اليهوديين، ح4450،
[5] - النساء 35،
[6] - سنن الترميدي، كتاب المناقب، باب فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ج 3895،
[7] - ميثاق الأسرة في الإسلام، اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفولة بالمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، ص 30،
[8] - موسوعة ويكيبيديا،
[9] - النمل الآية 50،
[10] - هود الآية 91،
[11] - موسوعة ويكيبيديا،
[12] - الشعراء الآية 213،
[13] - الأنفال الآية 75،
[14] - الإسراء الآية 26،
[15] - معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، ص 54،
[16] - معاجم اللغة العرية؛ لسان العرب لابن منظور، 11-29 باب "الأهل". والمفردات للراغب، 29،
[17] - "آل البيت رضي الله عنهم في القرآن الكريم، محمد ياسين جاية وعلي الخشاب، شبكة ضياء للمؤتمرات والدراسات والأبحاث،
[18] - القصص الآية 29،
[19] - الذاريات الآية 26،
[20] - الأنبياء الآية 84،
[21] - يوسف الآية 25،
[22] - الأعراف الآية 82،
[23] - طه الآيات 18-19،
[24] - يوسف الآية 65،
[25] - يوسف الآية 88،
[26] - يوسف الآية 93،
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق