التعريف بأبي ميمونة الفاسي وبمكانته العلمية:
هو الفقيه الحافظ، الصالح العابد، أبو ميمونة درّاس بن إسماعيل الفاسي، لم تتحدث المصادر عن تاريخ ولادته، ولا عن أسرته، ولم تذكر اسمه الحقيقي، وكل ما ذكرت أنه سمي درّساً لكثرة دراسته للعلم، حتى غلب عليه هذا اللقب، وبه عُرف واشتهر. والله أعلم.
بدأ طلبه للعلم بالأخذ عن شيوخ بلده [1] رحل ابو ميمونة الفاسي فدخل افريقيا فسمع من ابن اللّبّان ( ت 333ه)، وغيره، ورحل وسمع من ابن مطر المعافري( ت 339 ه) كتاب ابن المواز، وابن مطر ؛ هو علي بن عبد الله بن مطر الاسكندري، وكان أبو ميمونة فقيها عارفا بنصوص مالك. أخذ عنه أبو محمد بن أبي يزيد ، وأبو الحسن القابسي، وأبو الفرح ابن عبدوس، وخلف بن أبي جعفر، وابو عبد الله بن الشيخ السبتي. وكان رجلا صالحا دخل الأندلس مجاهدا وتردد إلى الثغور مرات عدة. [2]
بلغ ابو ميمونة الفاسي شأنا كبيرا في الفقه المالكي، ومعرفة مسائله وقضاياه، وهو أول من أدخل مدونة سحنون مدينة فاس، وبه اشتهر مذهب مالك هناك .[3]
ذاع بين الناس مخالفته لشيخه أبي بكر بن اللباد في حديث الموطأ، ومناقشته به حتى سلم لرأيه واعترف بفضله وحفظه، كما ارتبط اسم دراس بن اسماعيل بالجهود التي بذلها في نشر المذهب المالكي بالمغرب، وقد كانوا قبله على مذهب أبي حنيفة، وقد كان له مسجد بحي يسمى مصمودة من عدوة الأندلس ، يتجمع فيه الطلبة لقراءة الفقه، ويقال : إن قبلته أقوم قبلة بفاس، ونقل القاضي عياض في " ترتيب المدارك " عن أبي بكر المالكي أنه قال " كان أبو ميمونة من الحفاظ المعدودين ، والأئمة المبرزين من أهل الفضل والدين، ولما طرأ إلى القيروان اطلع الناس من حفظه على أمر عظيم حتى كان يقال : ليس في وقته أحفظ منه ". وقال ابن الفرضي " كان فقيها حافظا للرأي على مذهب مالك ".
وتنسب لأبي ميمونة رسالة في الدفاع عن الأشعرية حيث يحكي أنه كان متحمسا للمذهب الأشعري.
توفي رحمه الله في ذي الحجة سنة 357 هجرية على المشهور من الأقوال . وذكر بعضهم أنه توفي سنة 358 هجرية ، وقيل غيرها، ودفن بفاس خارج باب الفتوح. وقد جدد السلطان أبو عنان المريني قبره سنة 754 هجرية، ووضع عليه مربعة رخام منقوشة باسمه وتاريخ وفاته، واعتبره من أولياء مدينة فاس. [4]
ارتحال أبي ميمونة بين فاس والقيروان وآثاره ومكانته فيهما:
يعتبر أبي ميمونة دراس بن إسماعيل علم عظيم من أعلام فاس ، وأستاذ بالأندلس والقيروان وسبتة. أخذ العلم عن شيوخ بلده ، ورحل إلى الأندلس واستقر بها طالبا ومجاهدا ، وسمع منه غير واحد. توجه إلى الحج فدخل القيروان ، وأخذ عنه بها أبي زيد القيرواني ( 996ه/ 386) . وكان نزوله بالقيروان عنده، والفقيه المحدث أبو الحسن علي القابسي ، وخرج منها مع أبي محمد الأصيلي والقابسي، إلى مصر ومكة ، ولقي علي بن أبي مطر بالأسكندرية ، ثم رجع إلى فاس، فكان اول من ادخل اليها مدونة سحنون .
ومن آثار دراس ايضا . انه لم يكتف بالتعليم في القيروان بل حدث بما سمعه خارجها ، فإليه يعود الفضل في نشر " الموازية" بالقيروان التي أخذها في رحلته إلى الأسكندرية عن ابن ابي مطر. وأشار الزركلي في كتابه الأعلام إلى مخطوط على الرق في 16 ورقة ، في فقه الإمام مالك، في خزانة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ترجع نسبتها إلى ابن المواز ولعلها مما جلبه دراس هذا .
وقد اشتهر دراس في القيروان بكثرة حفظه، ولم يكن مجرد تلميذ عادي بمدينة القيروان فقد كان مناقشا بارعا وكانت له تصرفات تنم عن دراية بالعلوم وثقة بالنفس، أورد له الملكي نصا في اختلافه مع شيخه ابن اللباد – كما سبقت الاشارة الى ذلك – فقد ذكر عن بعض أصحاب ابي بكر ابن اللباد ، قال: كنت يوما جالسا في مجلس أبي بكر ابن اللباد ، وأبو ميمونة يقرأ عليه الموطأ فتواقعا في حديث ، فخالفه فيه شيخنا. وقال أبو ميمونة : كتابي هذا قرأته بالأندلس، وبفاس. فأمر أبو بكر بإخراج موطأ ابن وهب، وكتب كثيرة، حتى تقرر عندهم حقيقة الحرف الذي اختلفوا فيه. فلما نظر أبو بكر إلى الكتب والرزم ، قد حلت ضاق، وقال لأبي ميمونة : يا هذا فيك استقصاء. وما أظنك تريد ان إلا أن تكون ديكا. فقال أبو ميمونة : أكرمك الله. لو شئت أن أكون ديكا في غير بلدي، كنت. فقال له أبو بكر :قم عنا ولا تَغشَ لي مجلسا. قم يا هذا واستحثه. فأخذ أبو ميمونة كتابه، ومحبرته، ووقف وقال: اللهم إنك تشهد.
قال المالكي : فخرجت في أثره ومشيت معه، حتى أبعدنا وهو يسترجع. فقلت له: أجلس على هذا الدكان ، حتى أرجع الى الشيخ ، وأعود إليك. فرجعت وجلست بين يدي الشيخ، أصلحك الله أنت شيخنا وإمامنا وهذا رجل له قصد إليك، فترى إذا سألك الله : لم طردته ؟ أتقول له : لأنه قال لو شئت أن أكون ديكا في غير بلدي مافعلت أصلحك الله. وقلت مقبول عنك ومسموع. فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون. وكررها ثم قال يا أخي رد الرجل. ويدع المعاتبة. فسرت إليه ورجع معي فسلم على الشيخ، وجعل بعد ذلك يختلف ويحضر السماع، والشيخ غير منبسط له. فشكا ذلك إلى بعض أصحابه فقالوا له : زوجته شابة. فلو أهديت إليها عطفته عليك، وأصلحت لك جانبه، فقال: والله لا أخذت العلم عن طريق الرشوة أبدا، والشيخ قد انتشرت إمامته، وحل في قلوب الناس بالمحل الذي علمتم. وماقسى قلبه علي، إلا لأمر تقدم لي، عوقبت عليه، ولكن والله ما أصلحت إلا ما بيني وبين الله، وينتهي الأمر إلى ما شاء الله. قال : فمت طالت المدة حتى كان إذا دخل أبو ميمونة قال أبو بكر له : يا أبا ميمونة، أشركنا في صالح دعائك.
ولما رجع دراس بن اسماعيل إلى فاس ، كان أول من أدخل إليها مدونة سحنون. ومعه اشتهر مذهب مالك هناك. وكان يدرس بالمغرب، وتشد إليه الرحلة في وقته، كما كان عليه مدار الفُتيا. وممن أخذ عنه أبو المطوف عبد الرحمان بن خلف التجيبي الإقليشي، وأبو عبد الرحمان عبد الرحيم بن أحمد الكتامي عالم سبتة الذي روى عن جماعة من سبتة وفاس.
اعتبره الشيخ محمد مخلوف صاحب شجرة النور الزكية طليعة علماء فاس. فجعله وحده في الطبقة الثامنة وقال قبل الترجمة له : ومن هنا بدأ تفريعه ( اي فرع فاس) وهو جامع لعلماء المغربين الأقصى والأوسط. [5]
إسهامات أبو ميمونة الفاسي في نشر المذهب الأشعري:
لقد اختلفت آراء الباحثين في من كان اول من أدخل مبادئ المذهب الأشعري إلى الغرب الإسلامي، إلا أنها جميعها تجمع على أن هذا الدخول كان في القرن الرابع الهجري. ومنها ما يزعم انه كان في حياة أبي الحسن الأشعري. وهناك أسماء اشتهرت في القرن الرابع الهجري واشتهر عنها احتكاكها بأشهر تلاميذ الأشعري في المشرق، وبهذا الصدد يبرز اسم مفكرين كثر ارتبط اسمهم بالعقيدة الاشعرية. ومن هؤلاء العلماء. شيخنا أبو ميمونة دراس بن اسماعيل الفاسي دفين فاس. الذي اشتهر عنه أنه رحل إلى المشرق مبكرا. واحتك ببعض أقطاب الفكر الأشعري هناك، وألف رسالة في الدفاع عنهم. [6]