رواية الحب الآتي من الشرق، قراءة الأستاذ حاتم الوالي

قراءة الأستاذ حاتم الوالي لرواية "الحب الآتي من الشرق

الحب الآتي من الشرق، قراءة جديدة؛

"من الجرح وحده يولد الأدب" قول لأحلام مستغانمي في رائعتها -ذاكرة الجسد- على لسان بطلها خالد،  لكن ما علاقة هذا مع ما سأكتب، ربما هناك علاقة مع الظرفية (الحجر الصحي)، ليتحول القول إلى "من الحجر وحده تولد الكتابة"، بعد صدور عملك صديقي سنة 2014 وأنا أتلكأ  في القيام بقراءة في روايتك رفيقي، وها أنا الأن أرفع  قلم الكتابة لأقوم بهذه القراءة - الشهادة كتجربة أولى لكتابة لهذا النوع من الكتابة، علها تشفع لي أمام التأخر الحاصل في الكتابة.

حالما تمسك الرواية بين يديك تكتشف أن الرواية من الحجم المتوسط "94 صفحة" من طباعة "مطبعة الورود" يإنزكان. غلاف الرواية من إنجاز الفنان الطيب نظيف. وفي قراءتي هذه سأحاول أن أقسم هذه الورقة إلى "عتبات"، لتسهيل القراءة وتفصيل مضمون العمل:

عتبة الغلاف والعنوان؛

إن الملاحظ للغلاف يلحظ طغيان اللون الأخضر بإختلاف مستوباته وقليل من اللون الأسود واصفرار قليل يسار الغلاف من أسفل وأعلى، تتوسطه إمرأة بدوية بلحفاها التقليدي، يعلو الغلاف على اليسار فارس بجواده مع عنوان الرواية. واضح أن العنوان يحمل دلالة الغلاف و فيما بعد أحداث الرواية. فالمرأة ذات اللحاف هي دلالة عن   "الحب" ومن خلال صورتها تتضح أنها امرأة جميلة خجولة مبتسمة محبة محبوبةـ أما "الأتي" فهو الجواد لأنه كان وسيلة التنقل لشخصيات الرواية، "من الشرق" ربما ذلك الفارس الممتطي الجواد يأتي دائما من الشرق. بخصوص الألوان بشكل عام فاللاخضر ربما دلالة على خصوبة المجال في تلك الفترة التاريخية، وربما التنافس الوحشي بين بني البشر هي الوجه الآخر للون الأخضر الذي سيحكم أحداث الرواية، ولربما يعتبر هذا اللون من الألوان الخمسة الرئيسية في الصين ويرمز للشرق والغابات. أما اللون الاسود فيخترق الوسط العلوي للغلاف خلف المرأة مباشرة ربما هو دلالة على الصعوبات التي تواجه ذلك الفارس للوصول لتلك المحبوبة وربما هو دلالة للموت خلف حب الفارس للمرأة داخل الرواية.

أما بالنسبة للون الأصفر القليل في الغلاف فهو دلالة الشعور الكاذب المتكلف بالفرح الذي يكون دون شعور حقيقي بهذا الفرح، حيث تُسمّى هذه الابتسامة الناتجة عن هذا الفرح بالابتسامة الصفراء وهذا ما إتسمت به بعض اللحظات داخل أحداث الرواية وهذا يفسر أن اللون الأصفر خافت في الغلاف.

عتبة الإهداء؛

  عند فتحنا لهذه الرواية و تصفحها  نجد الإهداء لجدة الكاتب التي حكت له نصف هذا العمل لينسج باقي العمل من نسج خياله وهذا ما أكده في الصفحة التالية في ملحوظته. فالرواية هي امتداد لثقافة الحكاية (أو رْوَايّة) بلهجة أهل الصحراء)  التي تميز بها المجتمع الصحراوي، فالحكاية الشعبية وليدة التجمعات الإنسانية وهي وسيلة  لإمتداد للثراث بين الاجيال المتلاحقة. و الرواية تجسيد لهذا التلاحق بين الأجيال. فالجدة بدأت والحفيد أكمل. 

في المتن السردي؛

 أثناء تصفحنا للرواية كعادة نفعلها نحن القراء قبل الغوص أو البدء في القراءة، لمعرفة المحتوى من فصول وأبواب وعناوين كبيرة، نجد الراوي قام بتقسيم روايته إلى 9 فصول بعناوين وأحداث متعاقبة:

الفصل الأول: (الضالة) أطول فصول الرواية، بداية للرواية نهاية الضالة وبداية ضالة،
الفصل الثاني: (أحلام من ضباب) الحب والقبيلة،
الفصل الثالث: (أحزان إمرأة بدوية) الهيمنة الذكورية في إطار الحب،
الفصل الرابع: (وجع الأرض) وجع الأرض،
الفصل الخامس: (على الشوق يسير حافي القدمين) الرحيل الفاجعة والشوق المتحرك،
الفصل السادس: (من أحرق الحضيرة) حرق .. حب واحد .. حب دو وجهين،
الفصل السابع: (على الذاكرة يطفو الحب) هيمنة... خيال... ذاكرة وحب،
الفصل الثامن: ( هواجس هجالة) طلاق.. إمرأة،
الفصل التاسع: ( الخيول لا تسقط اتباعا) سقوط وموت،

   هذه إذن فصول هذه الرواية كل فصل وأحداث تختلف وتتم أحداث، فقد قامت الرواية على أكتاف بطل واحد وقصة واحدة مركزية  وبقية الأحداث ملحقة للحدث المركز، وكثيرا ما لمح الروائي ولم يصرح وليترك خيال القارئ مفتوح ... هذا ويمكن تقسيم مضمون فصول الرواية إلى بعدين أساسين بعد أنتروبولوجي و بعد رومانسي:

البعد الأنثروبولوجي:  يتجلى بشكل واضح في فصول الرواية فالروائي تقمص دور الأنثروبولوجي وعالم الاجتماع بالكشف عن الثقافة والمجتمع الصحراويين من خلال التعبير عن نمط عيش مجتمع أهل الصحراء في مختلف المناحي "المأكل، الملبس، المسكن"،  وكذلك تطرقه للموسيقى في هذا المجتمع بالإشارة إلى "إكاون"، دون إغفال الإشارة إلى "التحية والسلام" الذي يكتسي قيمة مضافة وتميز عند هذا المجتمع وتطرقه للعلاقات الاجتماعية من زواج و طلاق وانتقام ... فالموروث الثقافي قدمه لنا الكاتب بشكل يجعلنا نفكر في إعادة الاعتبار له وصونه من الاندثار، بحيث  يعتبر دعامة أساسية للمجتمعات الإنسانية في المجال التنموي فيتم استغلاله كرافعة للتنمية من خلال استغلاله في تحسين اقتصاد بعض المناطق من خلال تشجيع السياحة الثقافية، فالمجال الثقافي ليس فقط ذا بعد جمالي رمزي لكن يمكن استغلاله اقتصاديا. فهذه الرواية تعتبر وثيقة أنثروبولوجية لجزء من الصحراء.

البعد العاطفي: أو البعد الرومانسي يطبع فصول الرواية ويخترق أخرى لما لا ومنذ بداية الرواية خيل لنا أنها سيرة ذاتية لصاحبها يتحدث عن تجربة حب، إلا أننا وبالدخول للصفحات الموالية يتضح أن الرواية لقصص عشق مع قصة حب مركزية-رئيسية، كشف من خلالها الروائي  كنه وأعماق العاشق وأخدنا إلى المتاهات العميقة والمساحات البعيدة لهذه الذات، في صورها المتعددة بين الحب من طرفين، وحب من طرف واحد وحب مرفوض عائليا، وحب لغائب، وحب يؤدي إلى الموت. هذا البعد تقمص أحمد بطاح دور دوستوفسكي يبحث في هذه الذات وما تعانيه في علاقتها مع قيمة الحب.

إن المتجول بين فصول الرواية والمتصفح للرواية يلحظ أن الكاتب-الروائي، يستبدل الحاكي من شخص من روايته لأخر فيبدأ بالحكي في الفصل الأول لينتقل بالحكي من مربيه وأمه وأخته صفية وأخوه سيد أحمد وهذه قيمة جمالية حكواتية للرواية تحسب للكاتب.

ناهيك عن المسح الجغرافي الذي قام به المؤلف لمنطقة الفايجة  ما جاورها، فأنت تسلك تلك المساحة-الطريق الجغرافية تتراءى لك خيام مربيه وعمه ومحبوبته المامية، فهي دعوة لزيارة لتلك المنطقة.

     عموما فالرواية تستحق القراءة وإعادة القراءة من أجل ولادة أفكار جديدة من رحم هذا العمل، فرسالة الكاتب واضحة هي صون الموروث منا نحن شباب اليوم-رجال المستقبل، فثقافتنا ثرية جدا لكن للأسف لم تدون ومع مرور الزمن اندثر وضاع الكثير من تاريخ هذه الثقافة بسبب الاهمال وزحف "الثقافة الرقمية" على هذه الثقافة الأصيلة.

بقلم؛ ذ. حاتم الوالي
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق