أساس الواجب: الواجب والإكراه، الواجب والمجتمع

الواجب بين الأساس الذاتي والمصدر الخارجي

في هذا المقال سيتم دمج المحورين الأول والثالث ضمن قضية وأشكال واحد، ألا وهو:

الواجب بين سلطة العقل والمجتمع

تساؤلات إشكالية محوريةهل الواجب كفعل أخلاقي ملزم يعبر عن إرادة الشخص الحرة المستقلة أم هو تعبير عن إكراهات ومحددات خارج إرادته واختياره؟ بمعنى أخر هل قيامنا بالواجب يعبر عن إرادتنا الحرة أم عن إرادة المجتمع؟ وما علاقته بالمجتمع؟ وهل الواجب والقيم الأخلاقية كونية أم نسبية تختلف من مجتمع إلى آخر؟

الأساس الذاتي للواجب (كانط، وغويو..)

موقف كانط: تحليل نص؛ الواجب إكراه حر

إن الواجب فعل أخلاقي إلزامي وإكراهي، نقوم به احتراما للقانون الأخلاقي الذي يشرعه العقل، ويرجع هذا الفعل إلى الإرادة الخيرة والحرة التي لا تخضع لتوجيه خارجي أو للميولات الذاتية والمصالح الفردية. لذلك فالواجب في حقيقته إكراه حر، أي إلزام والتزام. إلزام لأن فيه كبح للنزوات والأهواء، والتزام لأن ذلك الكبح للميول نابع عن إرادة عاقلة حرة.

موقف غويو: تحليل نص؛ الواجب والقدرة

يرى غويو أن الفعل الأخلاقي لا يجب أن يصدر عن إلزام ولا عن خوف من عقاب أو جزاء. إن الواجب -في نظره- يرتد إلى القدرة كشعور متدفق وفيض من الحياة، بمعنى أن هذا الشعور بالقدرة على فعل فعل عظيم ومفيد، هو ما يحدد ما ينبغي القيام به كواجب، فالقدرة على العمل مثلا تجعل من العمل واجبا. هكذا يرتبط الواجب بالقدرة (الطبيعية) على الفعل وليس بإكراه أو الزام ذاتي أو خارجي.

تركيب أو استنتاج جزئي

يتفق كانط وغويو حول الأساس أو المصدر الذاتي للواجب الأخلاقي، غير أنهما اختلفا حول طبيعة هذا المبدأ أو الأساس، فكانط يرجعه إلى العقل العملي والقانون الأخلاقي، بينما يرجعه غويو إلى الطبيعة الإنسانية في ارتباط بوضع كل فرد وقدراته الطبيعية.

لكن هل يمكن الحديث عن أساس أخر للواجب غير نابع من الذات؟

المجتمع كأساس خارجي للواجب

نسبية الواجب عند دوركايم

يؤكد دوركايم أن المجتمع يعتبر مصدر السلطة الأخلاقية التي توجه سلوك الأفراد، لأن ما يقوم به هؤلاء من أفعال وتصرفات تعبر عن تلك السلطة الأخلاقية التي يمثلها المجتمع. "إن الواجب هو ترديد لصوت المجتمع"، أي أن المجتمع يمثل أساس ومصدر وعينا الأخلاقي الذي وفقه نميز بين الخير والشر، والامتثال لما يحدده ويفرضه المجتمع يعتبر واجا أخلاقيا إلزاميا، فالأفراد ومن خلال أفعالهم واختياراتهم إنما يعبرون عن قيم وثقافة المجتمع الذي ينتمون إليه. وهذا يعني أن دوركايم يؤسس لأخلاق خاصة بمجتمع معين مجتمع منغلق على ثقافته.

الواجب الكوني، عند برغسون

يؤكد هنري برغسون بدوره على أهمية دور المجتمع باعتباره مصدر الواجبات، غير أنه يرفض أن يقتصر واجب الأفراد على المجتمع الذي ينتمون إليه، لأنه في نظره مجتمع منغلق ويؤسس لأخلاق خاصة ومتغيرة تتغير تبعا لتغير ظروف المجتمع وأحواله، ويعو بالمقابل إلى انفتاح الواجب المجتمعي على الإنسانية بحيث يعتبر واجبا كونيا ملزم للإنسان بصفة عامة أينما وجد، وفي هذا يختلف برغسون مع دوركايم ويتفق مع كانط في إطار تأكيده على كونية الواجب.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق