درس الواحب: الواجب الإكراه، الوعي الأخلاقي، الواجب والمجتمع

الأخلاق: مفهوم الواجب جميع المحاور الثانية باكالوريا

مجال الأخلاق (مبحث القيم)
تحديد نظري لمفهوم الأخلاق

يقصد بالأخلاق مجموع القيم والقواعد السائدة في المجتمع والتي توجه سلوك الإنسان لتجعل منه سلوك مهذبا مقبولا يتجاوز ما هو غريزي أناني، قواعد يعامل بموجبها كل شخص ذاته وغيره معاملة إنسانية وفق مبدأ الحق والواجب، متحررا أو مستبعدا الميولات والأهواء بغية تحقيق إنسانيته.

وترتبط بالأخلاق عدة مفاهيم إشكالية كمفهومي الواجب والحرية.

مفهوم الواجب - تقديم عام

الواجب هو الأمر الأخلاقي الملزم لكل الناس، ويشير إلى ما ينبغي القيام وكيف علينا أن نسلك في مختلف المواقف والوضعيات. إلا أن تناول الفلاسفة لهذا الموضوع عرف اختلافا فيما بينهم؛ فبعضهم يعتبره أمرا أخلاقيا عقليا واستجابة لنداء العقل ضد الدوافع والميول، لكن فلاسفة أخرين يرون أن الواجب يرتبط بظروف اجتماعية أو نفسية.. ويرتبط مفهوم الواجب بمفهوم الضمير وهنا أيضا اتلف الفلاسفة بين قائل بالضمير الفردي وقائل بالضمير الجمعي في ارتباط بالجماعة أو المجتمع.

كل هذا يدفعنا إلى التساؤل: هل الواجب صادر عن إرادة حرة ومستقلة أم عن ضرورات وإكراهات خارجة عن إرادة الشخص؟ ما علاقة الواجب بالوعي أو الضمير الأخلاقي؟ هل الواجب نابع عن الضمير الفردي (الذات) أم عن الضمير الجمعي( المجتمع)؟

المحور الأول: الواجب والإكراه

تساؤلات إشكالية محورية: هل الواجب كفعل أخلاقي ملزم يعبر عن إرادة الشخص الحرة المستقلة أم عن إكراهات ومحددات خارج إرادته واختياره؟ بمعنى أخر هل قيامنا بالواجب يعبر عن إرادتنا الحرة أم أننا نردد ونقوم بما يريده المجتمع فقط؟

موقف ايمانويل كانط: تحليل نص؛ الواجب إكراه حر

إن الواجب فعل أخلاقي إلزامي وإكراهي، نقوم به احتراما للقانون الأخلاقي الذي يشرعه العقل، ويرجع هذا الفعل إلى الإرادة الخيرة والحرة التي لا تخضع لتوجيه خارجي أو للميولات الذاتية والمصالح الفردية. لذلك فالواجب في حقيقته إكراه حر، أي إلزام والتزام. إلزام لأن فيه كبح للنزوات والأهواء، والتزام لأن ذلك الكبح للميول نابع عن إرادة عاقلة حرة.

موقف جون ماري غويو: تحليل نص؛ الواجب والقدرة

يرى غويو أن الفعل الأخلاقي لا يجب أن يصدر عن إلزام ولا عن خوف من عقاب أو جزاء. إن الواجب -في نظره- يرتد إلى القدرة كشعور متدفق وفيض من الحياة، بمعنى أن هذا الشعور بالقدرة على فعل فعل عظيم ومفيد، هو ما يحدد ما ينبغي القيام به كواجب، فالقدرة على العمل مثلا تجعل من العمل واجبا. هكذا يرتبط الواجب بالقدرة (الطبيعية) على الفعل وليس بإكراه أو الزام ذاتي أو خارجي.

يتفق كانط وغويو حول الأساس أو المصدر الذاتي للواجب الأخلاقي، غير أنهما اختلفا حول طبيعة هذا المبدأ أو الأساس، فكانط يرجعه إلى العقل العملي والقانون الأخلاقي، بينما يرجعه غويو إلى الطبيعة الإنسانية في ارتباط بوضع كل فرد وقدراته الطبيعية.

المحور الثاني: الوعي الأخلاقي

تساؤلات محوية: إذا كان الوعي الأخلاقي هو القدرة على الحكم والتمييز بين الأفعال الإنسانية، خيرة أو شريرة فاضلة أو رذيلة، مباحة أو ممنوعة، فما الأساس الذي يبنى عليه هذا الحكم؟ كيف يميز الإنسان بين الخير والشر؟ وما مصدر هذا الحكم، هل هو مرتبط بما فطري في الإنسان أم أنه يستمد من العقل(كانط + فايل) أم أنه من خارج الذات؟

موقف جون جاك روسو: فطرية الضمير الأخلاقي

تعتبر الفطرة أي الطبيعة الخيرة للإنسان - في نظر روسو- أساس الوعي الأخلاقي، والفطرة هنا تشير إلى مجمل الأحاسيس الداخلية التي يَعُج بها باطن الذات، من عواطف وانفعالات ورغبات ( حب الذات، الخوف من الألم والموت، الرغبة في العيش السعيد..)، هذه الأحاسيس هي ما يمنح الوعي الأخلاقي وجوده وأساسه الحقيقي. "الفطرة إذن هي أساس هذا الوعي، وهي التي تمكن الإنسان من التمييز بين الخير والشر بمجرد ما أتتم معرفته بالعقل".

لكن أفعلا أساس وعينا الأخلاقي فطري غريزي أم أن الأمر عكس ذلك؟

موقف فريدريك نيتشه: تحليل نص؛ شقاء الوعي الأخلاقي

إن العلاقة بين الدائن والمَدين تفرض على وعي المَدِين ضرورة تسديد الدين باعتباره ذلك واجبا، وذلك بموجب عقد اتفاقي مُلْزِم، وفي حال عدم تسديد الدين فإن المَدين يكون من واجبه تعويض الدائن بشيء أخر مما يملك وتحت سيطرته كجسده مثلا أو زوجته أو حريته.. هكذا وفي نطاق قانون الالزام هذا يكمن أصل التصورات الأخلاقية، في نظر نيتشه مثل الخطأ والضمير والواجب. بمعنى أن أساس الوعي الأخلاقي يتحدد وفق الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

المحور الثالث: الواجب والمجتمع

**ملاحظة أولية: ما سيتم تقديمه في هذا المحور هو استمرار لإشكال الواجب والإكراه، فالمحورين يعالجان نفس المفارقة أو القضية.

تساؤلات إشكالية: ما الواجب؟ وما علاقته بالمجتمع؟ هل القيام بالواجب استجابة لنداء المجتمع والضمير الأخلاقي الجمعي أم للضمير الفردي؟ وهل الواجب والقيم الأخلاقية كونية أم نسبية تختلف من مجتمع لأخر؟

موقف اميل دوركايم: تحليل نص؛ سلطة المجتمع

يؤكد دوركايم أن المجتمع يعتبر مصدر السلطة الأخلاقية التي توجه سلوك الأفراد، لأن ما يقوم به هؤلاء من أفعال وتصرفات تعبر عن تلك السلطة الأخلاقية التي يمثلها المجتمع. "إن الواجب هو ترديد لصوت المجتمع"، أي أن المجتمع يمثل أساس ومصدر وعينا الأخلاقي الذي وفقه نميز بين الخير والشر، والامتثال لما يحدده ويفرضه المجتمع يعتبر واجا أخلاقيا إلزاميا، فالأفراد ومن خلال أفعالهم واختياراتهم إنما يعبرون عن قيم وثقافة المجتمع الذي ينتمون إليه. وهذا يعني أن دوركايم يؤسس لأخلاق خاصة بمجتمع معين مجتمع منغلق على ثقافته.

موقف هنري برغسون: تحليل نص؛ الواجب الكوني

يؤكد هنري برغسون بدوره على أهمية دور المجتمع باعتباره مصدر الواجبات، غير أنه يرفض أن يقتصر واجب الأفراد على المجتمع الذي ينتمون إليه، لأنه في نظره مجتمع منغلق ويؤسس لأخلاق خاصة ومتغيرة تتغير تبعا لتغير ظروف المجتمع وأحواله، ويدعو بالمقابل إلى انفتاح الواجب المجتمعي على الإنسانية بحيث يعتبر واجبا كونيا ملزما للإنسان بصفة عامة أينما وجد، وفي هذا يختلف برغسون مع دوركايم ويتفق مع كانط في إطار تأكيده على كونية الواجب.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق