المحور الرابع: التنوع الثقافي / تعدد الثقافات واختلافها
تساؤلات إشكالية؛ هل يمكن الحديث عن وحدة الثقافة وتنوعها في نفس الوقت؟ ما هي مظاهر التنوع الثقافي؟ هل تتعايش الثقافات فيما بينها أم تتصارع؟ ما هي مظاهر التعايش بين الثقافات، ومظاهر الصراع فيما بينها؟
مواقف حول الصراع الثقافي
تصور صموئيل هنتينجتون؛ صدام الحضارات
إن العلاقة بين الأفراد، الجماعات، الدول، الأمم المختلفة قائمة على الصراع لأجل الهيمنة والسيطرة على العالم، فصراع الحضارات يتمظهر أكثر على المستوى الثقافي، فكل حضارة تسعى لتحديد هويتها وما يميزها ثقافيا، وهذا يتم عبر خلق نقيض أو عدو، «إننا نعرف من نحن عندما ندرك ما لسنا إياه، أو بالأصح عندما ندرك ضد من نحن» أي بوضع ثقافة أمة مقابل ثقافة وهوية أمة أخرى والسعي لفرض قيم ثقافية وأخلاقية سياسية على باقي الحضارات، وما يؤجج هذا الصراع السعي الدائم وراء القوة والثروة. غير أن هذا الصراع سوف يتخذ منحى أكثر خطورة ليس بين الحضارات فيما بينها، بل داخل الحضارات نفسها، أي بين مكونات الحضارة الواحدة (صراعات: قبلية، عرقية، دينية، عقدية أو مذهبية...).
تصور إدغار موران؛ التنوع الثقافي والتمركز حول العرق
يشكل التمركز حول العرق أو المجتمع أو الدين.. والأحكام المسبقة عن الآخرين أو الثقافات الأخرى من عوامل ومسببات الصراع الثقافي، وظهور النزعات العنصرية بين الشعوب وبين الأفراد فيما بينهم، وبالتالي رفض الآخر المختلف واحتقاره. لذا يجب النضال والكفاح كفاحا حقيقيا يقتلع المشكلة من جذورها وليس فقط نضال لا يغير من قتامة الوضع وسوئه شيئا. هكذا فرفض ثقافة الآخر هو ما يؤدي إلى العنصرية وبالتالي صراع الثقافات.
تصور بول ريكور؛ التعدد الثقافي والصارع الحضاري
إن اكتشاف أنه لا توجد ثقافة واحدة فقط إنما ثقافات متعددة، يشكل تهديدا للثقافة التي كان يعتقد أنها وحدها الموجودة، فهذا الاكتشاف لا يكون مسالما. أي أن التعدد الثقافي من شأنه أن يؤدي إلى صراع وتصادم بين الثقافات المختلفة ما دام يشكل تهديدا وخاصة للثقافة التي تعتبر نفسها الأفضل أو تدعي أنه وحدها الموجودة. وينتج عن هذا اعتراف بوجود آخرين لهم ثقافة ليست هي نفس ثقافتنا، ما يدفع بنا إلى محاولة حمايتها من أي تهديد خارجي، وبالتالي الدخول في صراع مع الثقافات الأخرى سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
تصورات ومواقف حول التعايش الثقافي
تصور إرنست كاسيرر؛ الحضارة الإنسانية وحدة وتنوع
تتعدد الإنتاجات البشرية بتعدد الاتجاهات الثقافية والقيمية، لكنها في عمقها تمثل وحدة أو مقام مشترك، يتعلق الأمر بمصدر كل تلك الإبداعات والإنتاجات وهو العقل البشري. وحدة يمكن إدراكها بفضل النظر الفلسفي الذي يرجع العناصر في كثرتها إلى أصل واحد جامع وناظم. "فإذا كان لكلمة «إنسانية» أي معنى فإنها تعني أن صورها المتنوعة تعمل من أجل غاية مشتركة على ما بينها من اختلاف وتضاد، ومن بعد لابد أن يوجد مظهر بارز أو طابع عام تتفق فيه جميعا وتنسجم".
تصور إدغار موران؛ الثقافة وحدة وتنوع
تتميز الثقافة بالوحدة والتنوع، فالثقافة تحافظ على هوية الجماعة بقدر ما تحافظ الهوية على الثقافة سواء في بعدها الخاص بكل مجتمع (تنوع الثقافات وتعدد الهويات الاجتماعية)، وفي بعدها الإنساني الكوني (وحدة وكونية الثقافة: القيم الأخلاقية، الجمالية، الفكرية..). وبالرغم من أن الثقافات والهويات الاجتماعية تبدو منغلقة على ذاتها متحصنة، إلا أنها منفتحة تدمج تقنيات ومعارف وأفراد آتين من آفاق جديدة، هذا الانفتاح إغناء وتطوير للثقافات ذاتها.