الشغل بين الحرية والاستلاب درس الأولى باكالوريا آداب

مفهوم الشغل المحور الثالث؛ الشغل بين الحرية والاستلاب


تأطير إشكالي للمحور؛

ارتبط الشغل في بدايته بسعي الإنسان للتحرر من سيطرة الطبيعة والبحث عن مخرج له من وضع النقص والعوز وشح الموارد. لكن اليوم ومنذ عصر النهضة الصناعية أصبح لزاما على الفكر التساؤل حول علاقة الشغل بالتحرر، فهل أفضى مسار الشغل في ظل نظام الآلية المعاصرة إلى ترسيخ حرية الإنسان وتحقيق الرفاه الذي يحلم به، أم بالعكس من ذلك أدى إلى استلاب الإنسان واستعباده نفسيا وذهنيا وجسميا؟ بمعنى أخر هل الشغل تحقيق لماهية الإنسان وحريته أم استلاب ونفي للذات الإنسانية؟ متى يحقق الشغل حرية الأفراد، ومتى يسلبها؟

موقف جون بول سارتر تحليل نص العمل / الشغل تحرر

يقول سارتر: "إن الشغل في الواقع، هو العنصر المحرر للعامل المقهور"، ويوضح أنه بالرغم من أن العمل ونظامه لا يسمحان عمليا بتحقق تلك الحرية نظرا لما يفرضه (الشغل) من رتابة وقمع بحيث يفقد الإنسان مشاعره، فالشغل في أصله تحرير للإنسان من سلطة الطبيعة وقهرها. كما ان العامل يعي ذاته كقدرة وإمكانية على تغيير وتنويع شكل شيء مادي إلى ما لانهاية وذلك بالتأثير فيه وفق بعض القواعد الكونية (مبدأ السببية والحتمية). إذن في الشغل لا يمكن تحقيق حرية العامل إلا بوعي العامل بشروط عمله، اي أن الشغل كفاعلية هو تحقيق بعدي لماهية الإنسان، فهو فرصة للتحرر ورسم الماهية الفعلية التي لا تتحقق إلا كمشروع منفتح على إمكانات لا نهائية.

موقف ألكسندر كوجيف: تحليل نص بالعمل / الشغل يتحرر الإنسان

يرى كوجيف أن الشغل هو ما يجعل الإنسان إنسانا سيدا على الطبيعة، فبسيادته على الطبيعة بواسطة وبفعل الشغل، يتحرر العبد من الطبيعة ومن ذاته ومن عبوديته للسيد أيضا، "إن الشغل بتحريره العبد من عبوديته للسيد". هكذا يتحرر الإنسان من الطبيعة ومن سيادة غيره عليه ليصير هو سيدا على الطبيعة، بل قد يسود يوما كسيد مطلق. "ففي العالم التقني الذي حوله العبد (العامل) وغير شكله بواسطة وبفعل عمله، فإن العبد يسود أو على الأقل سيسود يوما كسيد مطلق".

موقف كارل ماركس: تحليل نص استلاب العامل في النظام الرأسمالي

يبن ماركس أن الاستلاب* بمظاهره المختلفة مرتبط قبل كل شيء بالأنظمة القائمة على الملكية الفردية لوسائل الإنتاج، وبطبيعة تقسيم العمل فيها. فالعامل وبدلا من أن تعمل منتوجات يده على تحقيق مطامحه وإشباع رغباته المادية والمعنوية، والرفع من مستواه الفكري والروحي ... بدلا من ذلك يصبح العامل أداة لتحقيق ذلك لغيره، أي أنه يصبح وسيلة لإنتاج منتوجات يمتلكها غيره ويتصرف فيها وحده بالبيع والتبادل، ويستحوذ على فائض القيمة في نهاية الأمر. وهكذا يصبح العامل مستَغَلا من طرف الغير (رب العمل)، وهذا ما يجعل من العمل مصدرا لاغتراب العامل واستلابه، بحيث "يشعر بأنه خارج ذاته"، و"العمل الذي يُستلَب خلاله الإنسان هو تضحية بالذات وإهانة لها". إن "الإنسان العامل لا يشعر بأنه يسلك بحرية إلا حين يؤدي وظائفه الحيوانية؛ كالأكل والشرب والتناسل ... أما في وظائفه الإنسانية فإنه ليس إلا حيوانا".

*شرح ما يقصده ماركس بالاستلاب: هو اغتراب الإنسان عن ذاته الحقيقية والفعلية، من خلال ضياعه في واقع غريب عنه، ومن خلال شعوره بالانفصام عن فعاليته والغربة عن منتوج عمله وكأن هذا الأخير سُلِبَ منه.

موقف هربرت ماركيوز: تحليل نص؛ الشغل بين المأمول والواقع

يتميز عالم الشغل برتابة تُحول الإنسان إلى مجرد آلة للإنتاج أو الاستهلاك فقط. فالعمل أو الشغل في شكله الصحيح يعد "وسيط يستخدمه الإنسان في تحقي ذاته على النحو الصحيح، وفي سبيل تنمية إمكاناته كاملة". لكن هذا يظل أملا أو ما ينبغي أن يكون، والحال أن الشغل "في صورته الراهنة يشُلُّ كل الملكات الإنسانية ويَحُول دون إشباعها. فالعامل > لا يؤكد ماهيته بل يناقضها <، وبدلا من أن ينمي طاقاته الجسدية والذهنية الحرة، يكبت جسمه ويدمر ذهنه". إن العامل يشعر وهو في العمل أنه ليس هو، وأنه لا يكون هو ذاته أو مع ذاته إلا عندما يتحرر من العمل. بمعنى أن في الشغل يفقد العامل كيانه ويصير "مجرد وسيلة لإشباع رغبات خارج عنه". وهكذا يصبح الإنسان المعاصر أداة من بين مجمل الأدوات الأخرى التي تدفع نحو تسريع وثيرة الإنتاج والاستهلاك.

موقف فريدريك نيتشه؛ تحليل نص: لماذا لا يجب تمجيد الشغل

يبين نيتشه وعلى خلاف ماركس وموسكوفيتشي أن الشغل لا يدفع الإنسان إلى اكتشاف ذاته وتطوير المهارات لكامنة فيه، بقدر ما يدفعه – حسب نستشهد – إلى قتل تفرده وتميزه، بحيث يعرقل تطور العقل ويمنع من إشباع الفرد لرغباته الطبيعية. إن تمجيد الشغل هو تثبيت للقيم الكاذبة والبحث عن الثروة بأي ثمن ولو على حساب الجسد والحياة والتفكير، أي أن الشغل في نظر نيتشه وسيلة لضبط الأفراد وتحقيق مجتمع أكثر أننا واستقرارا.

موقف جورج فريدمان: تحليل نص: ما آثار نظام الآلية على نفسية العامل

يميز فريدمان في علاقة الشغل بالحرية والاستلاب بين مستويين: مستوى الاستهلاك، ومستوى الإنتاج، فالإنسان باعتباره مستهلكا من المستبعد أن يكون مهددا من نظام الآلية الذي هيمن على مجال الشغل، لكن وباعتباره منتجا، فإن لنظام الآلية آثر سلبيا كبيرا على توازنه النفس ومصيره الروحي، بحيث تم استبدال الاستعباد الجسمي، بالاستعباد الذهني في ظل التطور الصناعي والعمل المجزأ والمتسلسل. هكذا يسلب الشغل من العامل حريته وكرامته.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق