نصوص فلسفية حول قضية معرفة الغير ضمن مفهوم الغير

نصوص محور / قضية معرفة الغير مفهوم الغير - نصوص منتقات من: كتب مدرسية، وامتحانات وطنية

نص سارتر؛ معرفة الغير كموضوع

"الغير هو ذاك الأنا الذي ليس أنا، ولستُ أنا إياه. هذا النفي يشير إلى عَدَمٍ يفصل بيني وبين الغير .. وهو عَدَم لا يستمد أصله مني ولا من الغير، ولا من العلاقة المتبادلة بيني وبين الغير، بوصف هذا العدم غيابا أوليا لتلك العلاقة. لأن الغير يتجلى على نحو إمبريقي، بمناسبة إدراك الجسم. وهذا الجسم هو شيء في ذاته، وخارجي بالنسبة إلى جسمي. إن نوع العلاقة التي تجمع هذين الجسمين وتفصلهما هي من نوع العلاقة المكانية الشبيهة للعلاقة بين الأشياء التي لا تربط بينها أية صلة. فمَن يعتقد أنه يدرك الغير عبر جسمه، يعتبر نفسه منفصلا عنه مثلما ينفصل سم عن جسم، مما يدل على أن المعنى الأنطولوجي للنفي المتضمن في الحكم > لست زيدا < هو من نوع النفي المتضمن في الحكم > ليست الطاولة كرسيا <. وهكذا يقوم بين الذوات المختلفة، التي يُعزى انفصالها إلى الأجسام، ما يشبه مكانا، أي عدما معطى (...) فما يفصل بيننا هو مكان واقعي (مادي) أو نظري (فكري).

تترتب على هذا الافتراض نتيجة خطيرة، وهي أنه إن كان ينبغي، فعلا، لعلاقتي بالغير أن تكون على نمط العلاقة الخارجية المحايدة، فإنني لن أستطيع أن أتأثر في وجودي بانبثاق الغير أو اختفائه مثلما لن يتأثر شيء في ذاته بظهور أو اختفاء شيء آخر في ذاته. وبما أنه لا مكن للغير أن يؤثر في كينونتي من خلال كينونته، فإن الكيفية الوحيدة التي يمكن أن ينكشف لي بها هي أن يتجلى لمعرفتي كموضوع. وأن أكون ذلك الغير بوصفه تلك الوحدة التي أضيفها بتلقائيتي إلى كثرة متنوعة من الانطباعات الحسية؛ أي أنني أنا الذي أكوٍّنُ الغير ضمن حقل تجربتي. ولن يكون الغير حينئذ، سوى صورة [ذهنية]". جون بول سارتر

فرض محروس؛ التواصل أساس معرفة الغير

"أدرك الغير باعتباره سلوكا، فمثلا أنا ادرك حزن وغضبه في تصرفاته، وعلى محياه وعلى يديه، بدون اقتباس أي شيء من تجربة "داخلية" للألم والغضب، ما دام  الحزن والغضب عبارة عن تقلبات يخضع لها الكائن في العالم. وهي غير قابلة للقسمة بن الجسد والوعي، كما أنها مثبتة – وبالقدر نفسه – في تصرفات الغير المرئية على مستوى ظاهر جسده، كما يظهر ذلك أيضا على مستوى سلوكي المتعين. ولكن سلوك الغير وكلام الغير أيضا ليس هو الغير: إن حزن الغير وغضبه لا يحملان المعنى نفسه سواء بالنسبة له أو بالنسبة إليَّ. إنها وضعيات معيشة بالنسبة للغير، أما بالنسبة لي فهي وضعيات أستحضرها فقط. ومهما استطعت أن أشارك الغير بشكل حممي هذا الحزن وهذا الغضب، فإن ذلك سيبقى حزنا وغضبا خاصين بصديق لي مثلا. إن صديقي هذا سيتألم متى فقد زوجته أو سيغضب متى فقد ساعته أو سُرٍقت منه، أما أنا فسأتألم عندما يمر بمحنة، وسأغضب متى غضب، فالوضعيات غير متماثلة. وأخيرا، إذا قمنا بإنجاز مشروع مشترك، فإن هذا المشروع لن يكون واحدا، ولن يتخذ نفس المظهر سواء بالنسبة إليَّ أو بالنسبة لزيد، كما أننا لا نعيره الاهتمام نفسه .. وذلك لسبب بسيط هو أن شخص صديقي ليس هو شخصي أنا بالذات، فمن خلال وضعياتنا الخاصة يتمكن وعينا من بناء وضعية مشتركة يتم التواصل من خلالها".      موريس ميرلوبونتي

معرفة الغير غير ممكنة أو هي معرفة تقريبية

" لم يبقى لنا أن نفحص من بين جميع موضوعات معرفتنا سوى نفوس الناس الأخرين وعقولهم الخاصة، والظاهر أننا لا نعرفها إلا افتراضا. فنحن لا نعرفها في الوقت الراهن، لا من خلال الذات ولا من خلال الأفكار، ولكونها تختلف عنا فمن غير الممكن أن نعرفها بواسطة الوعي. إننا نفترض بأن نفوس الآخرين تشبه نفوسنا في نوعيتها، ونزعم بأن ما نشعر به بداخلنا هو ما يشعرون به.. أنا أحب الخير واللذة، وأكره الشر والألم، أريد أن أكون سعيدا، ولست بمخطئ إن اعتقدت بأن الناس لهم نفس الميولات. لكن وبما أن الجسد له دور في ما يحصل لي، فأنا أخطئ في غالب الأحيان إذا حكمت على الآخرين من خلال ذاتي.. فأنا أخضع لبعض الأهواء، وأُكِنُّ صداقة أو كُرهًا لهذا الشيء أو ذاك، وأتصور  بأن الآخرين  يشبهونني، إلا أن افتراضي غالبا ما يخطئ. وهكذا فالمعرفة التي نكوِّنُها عن الآخرين كثيرا ما تكون معرضة للخطأ إن نحن اكتفينا بالحكم عليهم اعتمادا على الإحساسات التي كوَّنّاها عن أنفسنا."  ــ مالبرانش

نص ماكس شيلر إدراك الغير بوصفه كلا

"أكيد أننا ندرك فرح الغير من خلال ابتسامته، كما ندرك همومه وألمه من دموعه، وخجله من احمرار وجهه، ودعاءه من يديه الملتصقتين، وحبه من نظرته الحنونة، وغضبه من اصطكاك أسنانه، وتهديده ورغبته في الانتقام من قبضة يده.

إن ما ندركه، منذ الوهلة الأولى، ليس جسد الغير، ولا نفسيته، بل ندرك الغير بوصفه كلا لا يقبل القسمة، إذ لا يمكن أن نقسمه إلى قسمين، أولهما يدرك داخليا (نفسيا)، وثانيهما يدرك خارجيا (جسديا) (....) إن المضمونين، الداخلي والخارجي، يترابطان ترابطا وثيقا بخيط دائم ومستقل عن كل ملاحظة أو استقراء. فمظاهر هذه الوحدة الجسدية الفردية، تبقى رغم تنوعها وخارجيتها (اللون؛ الشكل؛ الحركة) تابعة للكل الفردي الحي (...) لهذا السبب، يكون من المستحيل تفكيك وحدة ظاهرة التعبير لدى الغير، سواء كان هذا التعبير ابتسامة، أو نظرة مهددة أو حامية، أو حنونة، إلى وحدات صغرى لإعادة تشكيلها، فيما بعد، للحصول على ننفس الظاهرة الكلية التي التقينا بها في البداية.

إن ما يكون ممكنا بالنسبة للعالم الطبيعي الفيزيائي، لا يصبح، وأشدد على هذا القول، مستحيلا بالنسبة للظواهر التعبيرية الإنسانية، إذ يمكنني، حسب نمط الإدراك الخارجي، أن أتبنى موقف الإدراك الخارجي فأقطع الموضوع المدرك إلى مكوناته الصغرى، غير أني لن أنجح ، أبدا، بالرغم من كل التركيبات الممكنة لهذه الأجزاء، في إعادة تشكيل الوحدة التعبيرية "للابتسامة"، أو" الدعاء"، أو "التهديد"." ماكس شيلر

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق