العدالة بين المساواة والإنصاف شيلر راولز أرسطو آلان

المحور الثالث: العدالة بين المساواة والإنصاف، دروس الثانية باك آداب وعلوم

تأطير إشكالي للمحور: إذا كانت العدالة تعني احترام حقوق الغير والدفاع عنها، بمعنى إعطاء كل ذي حق حقه، بالامتثال للقانون واحترام الدستور وقواعد العدالة الأخلاقية، فهل يمكن اعتبار العدالة كأساس للحق هي تجسيد المساواة أم اللامساواة؟ وهل الخضوع للقانون يسمح فعلا بتحقيق المساواة بين الناس؟ وهل بإمكان العدالة أن تنصف الجميع وتعطي كل واحد بقدر ما يستحق؟

العدالة هي المساواة 

موقف باروخ اسبينوزا: تحليل نص؛ الحق والديمقراطية

يؤكد اسبينوزا أن الذي يضمن للأفراد حقهم في العيش والحفاظ على حياتهم وضمان حريتهم هو الامتثال للقانون المدني المؤسس على مبادئ العقل، ويشكل هذا الامتثال جوهر العدالة الاجتماعية، لأن القانون ينطق بالحق، ويجسد العدالة إذ يسمح بأن يأخذ كل ذي حق حقه، بذلك تتحقق المساواة في ظل دولة ديمقراطية عادلة. إذن فالقانون المتعاقد عليه يمثل أساس العدالة المتجسدة في المساواة.

موقف آلان (اميل شارتيي): تحليل نص؛ الحق والمساواة

العدالة حق –حسب آلان- والحق هو المساواة. بمعنى إن العدالة لا يمكن أن تتحقق فعلا إلا في ظل نظام يعامل الناس بشكل متساو دون أدنى تمييز بينهم في الحقوق والواجبات. ويسوق آلان مثالا واقعيا، ففي حالات البيع والشراء لن يعتقد أحد أن السعر الذي تم تحديده بعد المساومة وباتفاق مشترك بين البائع والمشتري بأنه سعر عادل إذا كان البائع جاهلا بقيمة ما يبيعه (كتابا نادرا، لوحة لرسام مشهور..)، في حين أن المشتري على علم بقيمة تلك السلعة، لأنه لم يكن هناك تساو وتكافؤ بين الطرفين. إذن، فالعدالة كحق ضد اللامساواة، والقوانين العادلة تلك التي يكون الجميع أمامها سواسية، سواء كانوا رجالا أو نساء أو أطفالا أو مرضى أو جهالا.

العدالة إنصاف

لكن إذا كانت العدالة تسعى إلى المساواة بن الناس في الحقوق والواجبات، فهل بإمكانها إنصاف الجميع؟ ألا يمكن القول إن تطبيق القانون على الناس بشكل متساو دون مراعاة للتفاوتات بينهم قد يؤدي إلى الظلم بدل العدل وبالتالي اختفاء العدالة؟

موقف أرسطو: تحليل نص؛ العدالة والإنصاف

يرى أرسطو في إطار رفضه للمساواة المطلقة، أن القانون الذي يكون الناس أمامه سواسية يتميز بالعمومية ولا يتضمن تشريعات لكل الحالات، لذلك فهو غير كافٍ لتحقيق العدالة في بعدها الأخلاقي، لذا لابد من الإنصاف الذي يعني النظر إلى روح القوانين بدل تطبيقها حرفيا، لأن التطبيق الحرفي للقانون قد يفضي إلى عكس المطلوب، أي إلى الظلم. لذا يعتبر الإنصاف تهذيبا أخلاقيا للمساواة المطلقة، في شكل من أشكال اللامساواة الأخلاقية، وفي هذا يقول أرسطو " تكمن الطبيعة الخاصة بالإنصاف بالضبط، في تصحيح القانون، وتجاوز عدم كفايته بسبب عمومية خطابه".

موقف جون راولز: تحليل نص؛ مبادئ العدالة

يؤكد راولز أن العدالة تقوم على مبدأي المساواة واللامساواة معا: المساواة في الحقوق والواجبات الأساسية، واللامساواة الاجتماعية  والاقتصادية، مثل اللامساواة في الثروة والسلطة، غير أن اللامساواة لا تكون عدلا وإنصافا إلا باستفادة من هم أقل حظا من ثمار هذه الثروة والسلطة وفق مبدأ تكافؤ الفرص، مع تقديم مساعدات وخدمات لمن يعيشون وضعيات صعبة كالإقصاء والتهميش، وبضمان التعاون الإرادي والعمل المشترك من أجل الرخاء، ضمن ما يسميه راولز بالنظام المنصف للتعاون الاجتماعي.

موقف ماكس شيلر: تحليل نص؛ المساواة الجائرة

ينتقد شيلر القول بالمساواة العامة أو المطلقة، فهذا القول في نظره يخفي "الرغبة في خفض الأشخاص المعتبرين أكبر وأعظم من غيرهم، إلى مستوى الأشخاص الذين هم في أسفل درجات السلم".  فالمناداة بالمساواة ليس نداء إرادة أو عاطفة، إنما تعبر عن حقد مستتر على القيم السامية. وهذا النداء لا يعكس الحرص على العدالة، ذلك أن العدالة لا تقوم على المساواة بل تقتضي الاختلاف والتفاوت بين الناس في المؤهلات الفكرية أو الاقتصادية والاجتماعية بحكم اختلاف وتمايز طبائع الناس، اختلافا إيجابيا وخلاقا، ومن الجور أي الظلم حسب، شيلر، المساواة بينهم بشكل تام ومطلق. إذن العدالة ليست المساواة المطلقة بين الناس إنما تكمن في اللامساواة أي في الإنصاف.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق