درس مفهوم العنف: الثانية باكالوريا آداب وعلوم إنسانية
تقديم دلالة المفهوم وإشكالياته:
يشير لفظ العنف بمعنى عام إلى القسوة وإلحاق الأذى والضرر سواء بالذات أو بالغير أو بغير الإنسان، وهو فعل يقوم على استخدام القوة بشكل مفرط قصد اخضاع الأخرين وجعلهم تابعين لإرادة الذات. والعنف كفعل أو سلوك نلحظه في عالم الإنسان والحيوان وحتى في الطبيعة، ما يجعلنا نطرح عدة إشكالات، منها؛ أشكال العنف ومظاهره، ثم حضور العنف في التاريخ، ثم أخيرا مشروعية العنف. إشكالات وقضايا يمكن إعادة صياغتها على شكل تساؤلات، وذلك كما يلي:
هل العنف مادي أم رمزي غير مباشر؟ وهل هو
ظاهرة غريزية أم اجتماعية؟ وهل يمكن اعتبار العنف كممارسة مشروعا أم غير مشروع؟
المحور الأول: أشكال العنف ومظاهره
الطرح الإشكالي: إذا كان العنف يعني استخدام القوة والحاق الضرر والأذى، فهل هذا معناه أن العنف مادي فقط أم هناك شكل أخر للعنف غير مادي أي رمزي معنوي؟ ماهي مظاهره سواء أكان ماديا مباشرا أم رمزيا غير مباشر؟ ما علاقة العنف بالتكنولوجيا وبالإعلام؟
موقف كارل فون كلوزفتش: تحليل نص الحرب فعل عنيف
إن الحرب كأعلى شكل من أشكال العنف المادي
حسب كلوزفتش، هي مجموعة من المعارك الناتجة عن الاقتتال الفردي الذي اتسع ليشكل
الحرب، بحي أن كل فرد وأثناء صراعه مع فرد آخر يحاول جاهدا بكل قواه الجسمانية أن
يتغلب عليه فيسقطه ويشل مقاومته، بحيث يخضعه لإرادته. إذن فالحرب كوسيلة، فعل من
أفعال القوة، غايته إرغام الخصم على الخضوع لإرادة الذات.
موقف إيف ميشو؛ تحليل نص: العنف الجسدي
يبين ميشو في نصه أشكال العنف المادي وخاصة
العنف الجسدي، ودور التكنولوجيا والإعلام في تطوير ونشر تلك الأشكال، ولعل من أهم
أشكال العنف الجسدي نقص التغذية (شكل خفي نوعا ما)، والإعدامات، والتعذيب، الحرب،
والاعتقالات، إضافة إلى الإبادات، والإجرام وغيرها من الأشكال والمظاهر التي لا
حصر لها.
وقد لعبت تكنولوجيا الوسائل المتطورة في جعل
العنف أكثر فتكا وتدميرا، عبر صنع وسائل متطورة لممارسة العنف، "تطوير وسائل
التسليح الفردي (..) ووسائل التخريب الجماعي"، على سبيل المثال القنابل
الذرية، الأسلحة الأتوماتيكية، الأسلحة البيولوجية (الجراثيم المصطنعة: إيبولا،
كوفيد – 19).. كما ساهم الإعلام ووسائل في جعل العنف بأشكاله أكثر انتشارا، وهذا
يبين علاقة "التلازم بين العنف الواقعي وانتشاره الإعلامي".
موقف فريدريك إنغلز تحليل نص العنف الاقتصادي:
يرى إنغلز أن هناك شكلان من العنف متداخلان
ميزا تاريخ البشرية، وهما العنف الاقتصادي، والعنف السياسي، ويؤكد أن العنف الاقتصادي
هو ما يحدد طبيعة العنف السياسي، على اعتبار أن الأول هو ما يحكم كل تشكيلة اجتماعية،
وهذا يتضح من الصراع بين طبقاتها، كل فئة
تدافع عن مصالحها البورجوازية لأجل مزيد من الربح، والعاملة لتحسين وضعها
والتحرر من الاستغلال.
موقف بيير بورديو؛ تحليل نص العنف الرمزي
يتناول بورديو شكلا آخر من أشكال العنف وهو
العنف الرمزي، ويعرفه بقوله :العنف الرمزي
هو ذلك الشكل من العنف الذي يمارس على فاعل اجتماعي ما بموافقته وتواطئه". أي
أن هذا الشكل من العنف يمارس على الفرد دون أن يراه أو يلمسه، وذلك عبر قبول أفكار مسبقة والتحلي بقيم أخلاقية واجتماعية محددة، أو أشياء يعتبرها عادية مألوفة
(البديهيات أو الحقائق الجاهزة)، متداولة في الوسط الذي ينشأ فيه، لذلك يوافق عليه
بوعي منه أو بغير وعي. بهذا المعنى ف"العنف الرمزي، هو عبارة عن عنف لطيف
وعذب، وغير محسوس، وهو غير مرئي بالنسبة لضحاياه أنفسهم، وهو عنف يمارس عبر الطرق
والوسائل الرمزية الخالصة أي عبر التواصل، وتلقين المعرفة، وعلى الخصوص عبر عملية
التعرف والاعتراف أو على الحدود القصوى للمشاعر والحميميات". وفي علاقة
بالممارسة السياسية يعتبر العنف الرمزي أنجع مقارنة بالعنف البوليسي (القمع المادي
المباشر).
المحور الثاني: العنف في التاريخ
الطرح الإشكالي: إذا كان العنف يشير إلى القوة والحاق الضرر
والأذى بالآخرين لأجل إرغامهم على الخضوع للذات، وإذا كان التاريخ يحيل على مجموع
الأحداث والوقائع التي عاشتها المجتمعات البشرية منذ نشأتها إلى الماضي القريب،
فأي علاقة تجمع العنف بالتاريخ؟ كيف ظهر العنف في التاريخ البشري؟ وما الدور الذي
يمكن أن يقوم به العنف في علاقة بهذا التاريخ؟
موقف "توماس هوبز"، نص "في الطبيعة الإنسانية"
يرى هوبز في كتابه "لوياثان" أن
الإنسان بحكم طبيعته الغريزية لديه ميل ونزوع إلى القوة أو العنف، كوسيلة لحفظ
البقاء. فكل إنسان يسعى وراء مصالحه (استمرار وجوده) بكل أنانية حتى وإن كان ذلك
على حساب حياة إنسان آخر. وهذا ما عبر عنه هوبز بقوله: "إن الناس بطبعهم أنانيون،
يلتمسون بقاؤهم وسلطاتهم بالقوة". فالعنف يتولّد في الطبيعة البشرية بأنواع
ثلاثة (التنافس، الحذر، الكبرياء)، الأول: التنافس، في هذه الحال يعتبر العنف وسيلة
لبلوغ مصالحهم ومنافعهم، والثاني: الحذر، وهو سبيلا للأمن، أما النوع الثالث:
فالكبرياء، حيث يميلون إلى العنف من أجل السمعة والمكانة.
موقف "كارل ماركس"، نص "الصراع الطبقي"
يذهب ماركس إلى أن ما يميز المجتمعات البشرية
منذ ظهور الملكية هو الصراع بين طبقات المجتمع، هذا الصراع يتخذ شكلا عنيفا حين
تقوم الطبقة المستَغَلة بالثورة والتمرد ضدا على استغلال الطبقة البورجوازية لها دفاعا
عن مصالحها ومطامحها المشروعة، فتتخذ من العنف الثوري (المادي) وسيلة لتحقيق
غايتها، فتلجأ بالمقابل الطبقة المهيمنة بدورها إلى العنف باستخدام أجهزة الدولة
العسكرية لقمع تمرد الطبقة العاملة ووأد ثورتها في مهدها، وهكذا يستمر الصراع
(العنف في بعده الاقتصادي) بحكم انقسام المجتمع إلى طبقات متفاوتة ومتناقضة فيما
بينها، فتتوالى الأحداث وتتطور السيرورة التاريخية لتبرز شكلا جديدا للمجتمع،
وهكذا دوالك.
موقف عبد الله الحمودي: نص "مصير المجتمع المغربي"
ينتقد الحمودي النظريات والتصورات التي ترى
أن العنف ظاهرة وراثية أو غريزة فطرية في الإنسان، ويذهب إلى القول بأنه وإلى اليوم "لا يوجد مؤشر علمي على أن في النشر عنصرا وراثيا يفسر العنف أو النزوع
إليه". فالمجتمعات شهدت وتشهد حروبا وهذا ارتبط اساسا بالاستقرار والملكية
والسعي لتكديس الخيرات وإخضاع الآخرين وضمهم تحت سيطرة مجوعة واحدة. وما ذهب إليه
روني جيرار لا يعدو مجرد تخمينات محضة، وفرضيات فرودية (نسبة إلى الطبيب والمحلل
النفساني فرويد Freud) حول "طبيعة"
إنسانية وحيدة وبيولوجية.
المحور الثالث: العنف والمشروعية
الطرح الإشكالي: يحيل العنف في علاقة بالممارسة السياسية خاصة
والدولة عامة على الاستخدام المفرط للقوة أو التعسف في استخدام السلطة، فما علاقته
إذن بالمشروعية؟ هي يمكن الحديث عن عنف مشروع وآخر غير مشروع؟ أم أن العنف فاقد للمشروعية؟
موقف "كانط"، تحليل نص: العنف لا يواجه بالعنف
في تناوله لعلاقة الدولة (السلطة العليا) بمواطنيها (الأفراد)، وعلاقة بالحق
في ممارسة العنف، يؤكد كانط أن السلطة العليا ومهما كانت قراراتها متعارضة مع
مصالح المواطنين، فلا يحق للمواطنين الاعتراض على الممارسة العنيفة للسلطة بعنف
مماثل للتعبير عن غضبها، ف "كل عصيان يعتبر، في الحكم الجمهوري، جريمة خطيرة
ينبغي إدانتها، لأنها تهدم أسس الحكم ذاته". ما دام هناك دستور مدني،
ف"ليس من حق الشعب أن يشرع في كل وقت لكيفية تطبيق الدستور".
فالعنف الصادر عن الدولة بهذا المعنى، يكون مشروعا لأن الجهة التي صدر عنها لها الصلاحية والشرعية التي تخول لها ذلك، في مقابل لا حق للأفراد في اللجوء إلى العنف ضدا على عنف الدولة المشروع.
موقف "غاندي"، تحليل نص: اللاعنف
يرى المهاتما
غاندي أن العنف لا يرفع من قدر الإنسان أو يجعله أكثر قوة، فالعنف رذيلة لا فضيلة،
والذي يلجأ إليه يحمل في نواياه إلحاق الأذى والضرر بالغير. إن كل خطاب داع للعنف،
ليس بخطاب أخلاقي، وبالتالي فهو فاقد للمشروعية. وليس في المعاملة بالمثل وفق قانون القَصاص، أي
مواجهة من يواجهني بالعنف، بعنف مماثل، سمو إنما انحطاط وتدني إلى مستوى النوع
الحيواني. "إن العنف هو دوما عنف، والعنف رذيلة. إن اللاعنف هو القانون الذي
يحكم النوع الإنساني مثلما أن العنف هو القانون الذي يحكم النوع الحيوان".
والأجدر مواجهة العنف بكفاح ونضال ذهني أخلاقي، أي نهج اللاعنف في وجه قوى الشر.