العلاقة مع الغير الصداقة الغيرية المصلحة الصراع الانعزال

المحور الثالث: العلاقة مع الغير: أساس العلاقة مع الغير الصداقة أم المصلحة أم الصراع ...

تأطير إشكالي:

لا يتخذ مفهوم الغير بعدا وجوديا وفقط، بل يتجاوز ذلك إلى ما هو معرفي، كما هو الشأن لإشكالية معرفة الغير، وأيضا إلى ما هو أخلاقي، مما يضعنا أمام إشكالية العلاقة مع الغير. وتتخذ هذه العلاقة أشكال مختلفة، فإما أنها علاقة تكامل وإما أنها علاقة صراع، وإما أنها علاقة مصلحة أو انعزال. وبناء على هذا الإحراج نطرح الإشكال التالي: هل العلاقة مع الغير علاقة تكامل أم علاقة صراع أم علاقة مصلحة؟

موقف أوغيست كونت: تحليل نص الغيرية

من منطلق الاتجاه الوضعي، يبني تصوره على استقراءات واقعية، ترصد ما يحدث على أرض الواقع الاجتماعي الفعلي، هكذا اعتبر كونت أن هناك واقعة يتعذر تجاوزها، وهي أن الإنسان يحيا بفضل الغير، بحيث لا يمكن للفرد مهما أوتي من قوة ومهارة، أن يرد جزءا بسيطا للإنسانية، مقابل ما تلقاه منها. ويترتب عن هذه الواقعة أنه يجب على الإنسان أن يحيا من أجل الغير، عن طريق نكران الذات، والتضحية من أجل الآخرين، من أجل ترسيخ قيم التعاطف والتضامن، سعيا وراء تطوير الوجود البشري، هكذا تعمل الغيرية، على تهذيب الغريزة البشرية وتسييجها، فتطهر الفرد من أنانيته الهمجية، وتكبح ميولاته المصلحية الضيقة، كما تعمل هذه الغيرية على الارتقاء بالأخلاق الإنسانية، إلى مستوى من الفهم الذي يتجاوز كل المقاربات اللاهوتية والميتافيزيقية.

تصور إمانويل كانط: تحليل نص الصداقة حب واحترام

يؤسس كانط العلاقة بين الأنا والغيار على مبادئ أخلاقية وعقلية كونية، ويتجلى ذلك من خلال حديثه عن الصداقة باعتبارها علاقة تقوم على مشاعر الحب ولاحترام المتبادلة بين الشخصين، وغاية الصداقة في صورتها المثلى هي غاية أخلاقية طيبة، تتمثل في تحقيق الخير للصديقين معا. واعتبر كانط الصداقة واجبا عقليا، يجب على الإنسان السعي وراء تحقيقه، وإن كان يتعذر تحقيقه في صورته المثلى، على أرض الواقع، كما تتطلب العلاقة مع الغير، مراعاة المساواة بين عناصر الواجب الأخلاقي، بين مشاعر الحب من جهة، باعتبارها قوة تجاذب بين الصديقين، ومشاعر الاحترام، من جهة أخرى، باعتبارها قوة دفع وتباعد بينهما، لذلك يجب أن تكون مشاعر الصداقة متبادلة بين الصديقين، ومبنية على أساس أخلاقي خاص، وليس على منافع آلية ومباشرة.

موقف جون بول سارتر: تحليل نص نظرة الغير

يعتبر سارتر أن بين الأنا والغير صراع لا ينتهي، فالغير يحد من إمكانات الذات، ويسلبها حريتها. فعن طريق النظرة يحولني الغير إلى موضوع ويشيئني، حيث يجعلني موضوعا لأحكامه القيمية، ذلك أنه حينما ينظر إلي أفقد حريتي، وتكبلني نظرة الغير. ولهذا يقول سارتر "الجحيم هو الآخرون". إن الغير جحيم بالنسبة للذات. لكن في المقابل يعتبر سارتر أن وجود الغير أيضا ضروري للذات، فلولا وجود هذا الغير لم تكن لتعي الذات ذاتها، ولم تكن لتتعرف على نفسها بوصفها خجلا أو كبرياء حينما يُنظر إليها. وبالتالي فإن الغير يلعب دور الوسيط بين الذات وذاتها، إنه مرآة نرى عليها انعكاس صورتنا، وبفضله نعي حريتنا، ذلك أن سؤال الحرية لا يصبح مهما إلا بوجود الغير، وعلى ذلك فوجود الغير ضروري للذات وللوعي بالحرية.

موقف دافيد هيوم: الصداقة والمصلحة

    يؤكد فيه أن الميول والمشاعر التي نحس بها تجاه الغير ليس خالصة ومنزهة عن كل مصلحة أو منفعة، ويضرب مثالا على ذلك بالصداقة الأكثر سخاء، باعتبارها مجرد تحوير لحب الذات، "فالصداقة الأكثر سخاء، ومهما كانت خالصة، إنما هي تحوير لحب الذات". ففي كل ما يصدر عنا ويحركنا تجاه الغير هو في الواقع بدافع المنفعة الشخصية، سواء بوعي منا أولا.

تركيب:

بالرغم من كون العلاقة مع الغير يجب أن تبنى على أساس أخلاقي، إما يتأسس على أساس الغيرية ونكران الذات، وإما أن يتأسس على الصداقة والحب والاحترام، إلا أن ذلك لا ينفي أن هذه العلاقة يمكن أن تنبني على المصلة أو أن يشوبها الصراع دوما، وأن الوجود الإنساني يقوم على أساس الصراع بين الذات والغير، وهذا ما أقر به فريديريك هيغل أيضا، حينما اعتبر أن كل ذات تحاول فرض نفسها على الذات الأخرى، إلى أن تنجح إحداهما في فرض هذه السيطرة، وتتحول الأخرى، المسيطر عليها إلى عبد، في حين تتحول الذات المسيطرة إلى سيد. وعموما يمكن التركيب بين التصورين من خلال اعتبار أن العلاقة مع الغير يشوبها التكامل والصراع في آن واحد، فحتى في التكامل هناك صراع.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق