إنشاء فلسفي، نص للتحليل والمناقشة حول إشكال الفرد والمجتمع، مستوى الأولى باكالوريا جمع الشعب
النص موضوع الاشتغال: فرض محروس؛
" لا ننكر أن المجتمع والفرد
كائنان لهما طبيعتان مختلفتان. ولكن بدلا من أن نرى بينهما تنافرا صريحا، أو نعتقد
أن الفرد لا يمكن أن يتعلق بالمجتمع دون إنكارٍ تامٍ أو جزئي لطبيعته الخاصة،
فإننا نعتقد في الواقع أن الفرد لا يكتمل وجوده ولا تتحقق طبيعته تماما إلا إذا
تعلق بالمجتمع... فمن المجتمع يأتينا خير ما فينا، ومنه تنبع الأشكال العليا
لنشاطنا. فاللغة ظاهرة اجتماعية من الطراز الأول، والمجتمع هو الذي أنشأها، وهو
الذي يورثها لجيل بعد جيل...
فمحال، إذن أن يكون بين الفرد
والمجتمع ذلك التعارض الذي سلَّم به كثير من المفكرين بلا تردد. وإنما الواقع –
عكس ذلك – أن لدينا مشاعر عديدة تعبر فينا عن شيء غير ذاتيتنا هو المجتمع. وما هذه
المشاعر إلا المجتمع ذاته وهو يحيا ويؤثر فينا. والواقع أننا لا نستطيع الانفصال
عنه دون أن ننفصل عن ذواتنا، فبيننا وبينه أوثق الروابط وأحكمها مادام جزءا لا
يتجزأ من جوهرنا ذاته ومادام هو – بمعنى معين – خير ما فينا. على هذا النحو يتضح
لنا مدى الخطر في حياة الأناني إذ إنه يعيش ضد الطبيعة... إن بوسعنا القول إن
الأنانية المطلقة تجريد لا يمكن أن يتحقق في الواقع إذ أننا لو شئنا أن نحيا حياة
أنانية بحتة، لوجب علينا أن نتخلى على طبيعتنا الاجتماعية.
المطلب: حلل (ي) وناقش (ي)
نموذج موضوع إنشائي من خلال الاشتغال على نص تحليلا ومناقشة، مستوى الأولى باكالوريا جميع الشعب:
مطلب الفهم 4ن؛
يتميز الإنسان بالتركيب (نفس / جسم) ويترتب عن هذا الأمر
تعدد أبعاده؛ بيولوجية، نفسية، معرفية، تاريخية، اجتماعية، ... وهذا يجعل منه من
حيث تكوينه الجسمي البيولوجي كائنا شهوانيا، ومن ناحية النفس أو الروح فهو كائن
يتصف بالعقل والتفكير والإبداع والرغبة والإرادة إلخ. كائن له مبادئ وأفكار خاصة وأيضا قيم وثقافة تعبر عن انتمائه لجماعة بشرية ما، وهذا يعني أنه يعش في إطار جماعة
أو مجتمع، ويشير المجتمع إلى التجمع البشري المنظم القائم على تبادل الحاجات
والخيرات وتفاعل أفراده وفق شبكة من العلاقات المتداخلة. ويحمل النص موضوع
الاشتغال مفارقة أن الفرد والمجتمع يتكاملان، ومن جهة ثانية نجد أن الفرد في تعارض
مع المجتمع، ما يطرح إشكال طبيعة العلاقة بين الفرد والمجتمع، إشكال يمكن التعبير
عنه من خلال جملة من التساؤلات من قبيل: ما المجتمع؟ ما الفرد؟ وما نوع العلاقة
القائمة بينهما؟ هل هما متكاملان أم متعارضان؟ هل الفرد كائن مستقل عن الجماعة أم
تابع لها ملزم بإكراهاتها؟ هل يمكن تصور أفراد يعيشون بدون مجتمع؟ وهل يكتمل وجود
الفرد داخل المجتمع أم خارجه؟ هل وجودنا في مجتمع ما معناه أننا ملزمون بالعيش مع
الآخرين؟
مطلب التحليل 5ن؛
يحمل النص أطروحة أساسية مضمونها أنه بالرغم من اختلاف طبيعة الفرد عن طبيعة المجتمع إلا أنهما ليسا متنافران، بل إن اكتمال وجود الفرد وتحقق طبيعته تمام التحقق لا يتم إلا في ارتباطه الوثيق بالمجتمع، فكل خير ينعم به الفرد يأتيه ويستمده من المجتمع (القيم، الثقافة، اللغة..). إن كل فرد توجد بداخله مشاعر تعبر عن المجتمع، وهذا يعبر عن قوة الروابط لا على الانفصال بينهما، فلا مجال لحياة الأنانية المطلقة في إطار الحياة الاجتماعية التي تمثل طبيعة الفرد. وتتخلل هذه الأطروحة مجموعة من المفاهيم التي شكلت لبنة النص الأساسية (المجتمع، الفرد، الأنانية المطلقة)؛ ويقصد بالمجتمع: بنية متميزة تلتقي فيها اهتمامات الناس ورغباتهم وأفعالهم، بحيث تتحقق داخلها طبيعة الأفراد بواسطة مؤسسات؛ اللغة، الزواج..، وأما الفرد فيشير إلى كائن له طبيعته الخاصة والتي شكّلها بفضل انتمائه للمجتمع، أما الأنانية المطلقة فهي أن يعتقد المرء أنه قادر على الحياة وتحقيق كماله الذاتي بمعزل عن الجماعة، وهذا ضد طبيعته الاجتماعية. هذه المفاهيم تربط بينها علاقات مختلفة فمفهوما المجتمع والفرد بالرغم من طبيعتهما المختلفة إلا أنهما مترابطان ترابط الجزء بالكل والكل بالجزء فكمال الفرد وتحقق طبيعته الاجتماعية يتوقف على العيش في المجتمع، بينما هي علاقة تضاد بين مفاهيم الفرد، والمجتمع من جهة، ومفهوم الأنانية المطلقة من جهة فحياة الأناني لا وجود لها في الواقع الاجتماعي.
وقد أورد صاحب النص مجموعة من الحجج لتوضيح أطروحته وإقناع القارئ
بها، حيث استهلها بإثبات أن الفرد والمجتمع كائنان من طبعة مختلفة، لينتقد بعدها التصورات
التي تفصل بين الفرد والمجتمع مؤكدا
على الارتباط والتكامل بينهما، فالفرد حامل لمشاعر تعبر عن المجتمع، ومن المجتمع
يستمد الفرد خير ما فيه "فإننا نعتقد في الواقع أن الفرد لا يكتمل وجوده ولا
تتحقق طبيعته تماما إلا إذا تعلق بالمجتمع"، ويضرب مثالا لذلك باللغة التي يتملكها الفرد بواسطة
وبفضل المجتمع " فمن المجتمع يأتينا خير ما فينا، ومنه تنبع الأشكال العليا
لنشاطنا. فاللغة ظاهرة اجتماعية من الطراز الأول، والمجتمع هو الذي أنشأها وهو
الذي يورثها لجيل بعد جيل". وبذلك تتحقق طبيعة الفرد الاجتماعية، ليؤكد في المقابل على
الخطر القائم في حياة الأنانية وتعارضها مع طبيعة الفرد الاجتماعية.
نستنتج من خلال مرحلة التحليل أن
الفرد والمجتمع لا ينفصلان إنما يكمل كل منهما الأخر. لكن إلى أي حد يكتمل وجود
الفرد داخل المجتمع؟ ألا تتحقق فردانية الفرد وطبيعته في استقلال عن المجتمع؟
مطلب المناقشة 5ن:
إن لأطروحة النص قيمة وأهمية من عدة جوانب:
فلسفيا تمثلت في نقد وتجاوز التصورات الفلسفية التي تفصل بين المجتمع
والفرد، ومن الناحية الحجاجية حيث حققت الحجج التي اعتمدها النص غرضها في
الإقناع بفكرته وجعلها أكثر صلابة، أما من الناحية الواقعية فالواقع المعيش يكشف مدى
الترابط بين المجتمع والفرد وأهمية كل من هما للأخر فلا قيمة للفرد خارج المجتمع
كما لا قيمة للمجتمع بدون أفراده. ويمكن في هذا الصدد أن ننفتح على بعض التصورات
التي تذهب في نفس منحى أطروحة صاحب النص، فكارل ماركس من جهته يؤكد أنه وفي
ظل تطور العلاقات الاجتماعية بين طبقات المجتمع، "لم يعد الإنسان كائنا اجتماعيا
فحسب، بل إنه حيوان لا تتحقق فردانيته إلا داخل المجتمع" فلا مجال لفرد عزول
يعيش خارج المجتمع. أي أن الفرد بشكل أو بأخر تابع للمجتمع. وحسب إميل دوركايم فإن الفرد كائن اجتماعي وجوده مرتبط
بالجماعة، بل إنه عضو منصهر في حياة الجماعة خاضع لتأطير وتوجيه المجتمع والإكراهات
الاجتماعية، وبذلك يضمن الفرد قيمته والمجتمع وحدته وتماسكه. وكما لأطروحة النص
قيمة وأهمية تبرز قوتها فإن
لها حدود ومكامن ضعف أيضا، من الناحية الفلسفية، تتجلى أساسا في
اغفال جانب مهم وهو أن الفرد بقدر انصهاره في حياة الجماعة تنمحي ذاتيته وفردانيه
وتختفي طبيعته في طبيعة المجتمع، لذا وحتى يستعيد طبيعته وفردانيته لابد وأن يستقل
عن المجتمع وألا ينصهر فيه كليا، فيخلق لنفسه عالما خاصا به يحافظ فيه على طبيعته
المتفردة. لكن ألس هذا ما يطلق عليه الأنانية؟ أم ليس أنانية بل فردانية؟ إذا كانت
فردانية، أليست الفردانية إذن، انحرافا؟
يجيب ألكسيس دوطوكفيل عن هذا بالتمييز بين الفردانية والأنانية، فالأنانية –في نظره- هي الحب المفرط والمبالغ فيه للذات، مقابل التحقير الشنيع للغير. أما الفردانية فهي شعور متأصل بحرية الفرد الذاتية في اتخاذ القرار الذي يناسب مصلحته وعائلته وأصدقاءه. ما يعني أن الفردانية هي خلق لمجتمع مصغر خاص بالفرد. وقد ارتبط ظهورها بظهور الديمقراطية، ما سمح للفرد بالانعزال عن المجتمع الكبير وخلق مجتمع خاص به.
مطلب التركيب 3ن؛
في أخر هذا الموضوع نخلص إلى أن قضية الفرد
والمجتمع قد أفضت إلى أطروحات عدة مختلفة ومتمايزة فيما بينها؛ أطروحات لا ترى أي
مبرر للفصل بين الفرد والمجتمع وتؤكد أن التكامل بينهما ينسجم وطبيعة الفرد
الاجتماعية، بينما تذهب أطروحة أخرى إلى أن الفرد في ظل نظام الديمقراطية أصبح
أكثر استقلالية وانعزالا عن المجتمع. وعليه فإن هذه القضية أو الإشكال يراهن
على أهمية الوحدة بين الفرد والمجتمع وكذا الحياة المشتركة أو التواجد مع الآخرين، وإبراز
مدى صعوبة واستحالة الحياة المنعزلة بالنسبة للفرد.
وكرأي خاص يمكن القول أن الفرد لا يمكنه إلا أن يكون كائنا اجتماعيا، دون أن يفقد فردانيته وتميزه، بل أكثر من ذلك يستطيع أن يبرز تفرده وتميزه في إطار الحياة الاجتماعية وذلك بما يستطيع القيام به من أعمال وإبداعات...
*** تمنح ثلاثة نقاط على الجوانب الشكلية: وضوح الخط، وسلامة اللغة من الأخطاء الإملائية، تماسك عناصر الموضوع، مع احترام علامات الترقيم.
ارجوك ما مصدر النص
إرسال ردحذفما مصدر النص
إرسال ردحذف