اللغة والسلطة من أين تستمد اللغة سلطتها؟ الأولى باك آداب

درس مفهوم اللغة الأولى باكالوريا آداب، مادة الفلسفة

المحور الثالث؛ اللغة والسلطة

تأطير إشكالي؛ يسود اعتقاد لدى معظم الناس بأنه عندما نستعمل اللغة، فإننا نعبر عن أفكارنا بإرادة حرة، ونتواصل مع الأخرين بكل موضوعية ووضوح، ويتم إبلاغهم ما نريد قوله. هذا الاعتقاد يتعارض مع بعض المواقف الحياتية، فعندما نريد التعبير عن مشاعرها وما يعج به وجداننا نجد صعوبة في ذلك ونعجز في تبليغ ما نريد. ومنه يمكن أن نتساءل؛ هل تسمح لنا اللغة بقول ما نريد أم أنها تشكل عائقا أمام بتبليغ أفكارنا بدل تيسير ذلك؟ هل عجز اللغة عن نقل تجاربنا الوجدانية يعني أنها ذات وظيفة قمعية أي  أنها حاملة لسلطة ما؟ إذا كان الأمر كذلك، فما علاقة اللغة بالسلطة؟ ومن أين تستمد اللغة سلطتها؟ هل من بنيتها التركيبية (من ذاتها) أم من بنيتها الاجتماعية المؤسساتية (من الخارج) أم من متكلميها؟

تحليل نص؛ سلطة اللغة؛ جورج غسدورف:

تعتبر اللغة حسب غسدورف حاملة لسلطة، بحيث تعمل على توجيه الإنسان لتخرجه من ذاته المتعلقة وتدمجه في التراتبية الاجتماعية، إذ تفرض عليه الاستعمال السليم للكلمات داخل النظام الذي أصبح ينتمي إليه. فسلطة اللغة هي تعبير أو وجه من أوجه سلطة المجتمع، الذي يريد أفراد منفتحين متشبعين بقيم وثقافة مجتمعهم، لا أفراد منغلقين كل في عالمه الباطني الخاص به، وهذا ما يتحقق بواسطة اللغة كسلطة اجتماعية.

تحليل نص؛ اللغة والسلطة؛ رولان بارت:

إن اللغة تحمل في ذاتها سلطة ما، لأنها تقوم على التصنيف لدرجة أن ذلك يلزمنا بقول ما يقتضيه هذا اللسان أو ذاك، مما يؤسس لعلاقة استلاب بيننا وبين اللسان الذي نتكلم به. فكون اللغة لسان يفرض أن اللغة تحمل سلطة اجتماعية محايثة لها (مرتبطة بتكوينها الداخلي، بحيث لا تنفصل عنها). ذلك «أن كل لسان هو تصنيف قمعي». هذه السلطة القائمة في اللغة تتخذ مظهرا بريئا يتمثل في منظومة قواعد الكلام والكتابة التي تمتصها الذات المتكلمة أثناء تعلم اللغة الأم، بحيث تتمازج إدراكاتنا وتصورتنا مع ألفاظ اللسان الذي تنتمي إليه، ومع صيغه الفعلية النحوية والتركيبية والدلالية. والتي تقوم أساسا على الإثبات والتكرار وبهذا تفرض نفسها على الذات المتكلمة.

تحليل نص؛ سلطة اللغة؛ بيير بورديو:

لا سلطة للغة في ذاتها، حسب بورديو، «فليس سلطة الكلام إلا السلطة الموكولة لمن فُوِّض إليه أمر التكلم والنطق بلسان جهة معينة» والذي يملك شرعية إلقاء الخطاب باسمها، وبالتالي ينبغي لهذا الخطاب أن يكون في وضعية شرعية وأمام متلقين شرعيين ووفق أشكال شرعية صادرة عن مؤسسة رسمية. وهكذا فاللغة لا سلطة لها في ذاتها أو محايثة لها، إنما تستمد سلطتها من الخارج، من مؤسسات المجتمع.

تحليل نص؛ اللغة وأصل التسميات؛ فريدريك نيتشه:

يؤكد نيتشه أن اللغة فعل من أفعال السلطة، فهي أداة في يد المهيمنين لإطلاق التسميات والتصنيف بين القيم، هذه قيم خير وتلك قيم شر، هذا جميل وذاك قبح، ... هكذا فالطبقة المهيمنة أو كما يقول نيتشه «أولائك الذين لهم الغلبة والهيمنة» هم من يحددوا الأشياء أو الأفعال فيلصقوا بها لفظ من الألفاظ، ليُعْرَف به بعد ذلك.

تركيب للإشكالية المحور:

لقد وضعتنا إشكالية علاقة اللغة بالسلطة، إلى مواقف متمايزة، فقد ذهب البعض إلى أن للغة سلطة محايثة لها بحيث تفرض علينا تصنيفا لما ينبغي أن يقال وما لا يقال، في علاقة بالمجتمع، وبالجهة المسيطرة أيضا، وأما من حيث تكوينها فتلزمنا بالكيفية التي نتكلم ونعبر من خلالها.

ويمكن اعتبار القول بإن اللغة تستمد سلطتها ليس من بنيتها إنما من المتكلمين بها وخاصة الأقوياء أو المهيمنين، وهذا ما نلمسه في واقعنا المعيش حيث نلاحظ أن معظم الناس أصبحوا يتحدثون بلسانين في آن واحد، عبر دمج لغتهم الأم بلغة أمة أخرى فيدخلون (في غير سياق) كلمات أجنبية على لغتهم وذلك للتفاخر بمعرفته باللغة الأخرى. وهذا مثال على التأثر بمن ينظر إليهم على أنهم أقوياء وأكثر تقدما.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق