الدولة بين الحق والعنف أساس قيام الدولة

مجزوءة السياسة: مفهوم الدولة: أساس قيام الدولة، مستوى الثانية باكالوريا

المحور الثالث: الدولة بين الحق والعنف

الطرح الإشكالي: ما الدولة؟ ما الحق؟ ما العنف؟ وما علاقة الدولة بكل من الحق والعنف؟ على أساس تقوم الدولة؟ على العنف والقوة أم الحق والقانون؟ إذا قامت الدولة على العنف، فما طبيعة هذا العنف؟ وهل يمكن أن يعتبر مشروعا أم لا؟

موقف "ماكس فيبر": تحليل نص؛ مشروعية العنف

إن الدولة لا يمكن تعريفها إلا بالوسيلة المميزة الخاصة بها، ألا وهي العنف الفيزيائي. فالعنف المادي هو الأداة الأساسية التي ينبني على أساسها وجود الدولة، باعتباره الوسيلة الناجعة لممارسة السلطة، وهكذا فالدولة المعاصرة هي تجمع بشري يطالب، في حدود مجال ترابي معين، بحقه في احتكار استخدام العنف المادي المشروع، وذلك لفائدته. "إذا وجدت تجمعات بشرية لا تعرف العنف، فمعنى ذلك أنه لا يمكن الحديث عن وجود الدولة، كجهاز يحكم هذه التجمعات السياسية. فما سيبقى في حالة اختفاء العنف هو الفوضى بين مختلف مكونات البناء الاجتماعي، نظرا لاختفاء القوة العنيفة القادرة على إزالة هذه الفوضى". ويستشهد هنا بقول تروتسكي: " كل دولة تنبني على القوة". إن ما يميز عصرنا، حسب فيبر، هو أنه لا توجد جماعة سياسية، ولا يوجد فرد، يكون من حقهما اللجوء إلى استخدام العنف، إلا شريطة موافقة الدولة على ذلك. لذلك فالعلاقة بين الدولة والعنف هي علاقة حميمية جدا.

موقف لوي ألتوسير؛ تحليل نص: الدولة مجموعة من الأجهزة

يرى ألتوسير أن الدولة عبارة عن مجموعة من الأجهزة، ولا يمكن حصر أجهزة الدولة في الأجهزة القمعية كما فعلت الماركسية. فهناك أجهزة أخرى تمارس من خلالها الدولة سلطتها السياسية، وهي الأجهزة الأيديولوجية، وهي أجهزة غير مرئية أو منظورة بشكل مباشر، "ونقصد بالأجهزة الأيدولوجية للدولة عددا من جوانب الواقع التي تمْثُلُ أمام الملاحظ المباشر على هيأة مؤسسات متميزة ومتخصصة (...) : الجهاز الديني، الجهاز العائلي، والمدرسي، والقانوني، والسياسي، النقابي، الإعلامي". فإلى جانب اعتمادها أجهزة مادية مباشرة، تعتمد السلطة السياسية للدولة على أجهزة أيديولوجية غير مباشرة تمارس عبرها سلطتها القمعية.

موقف "جاكلين روس": تحليل نص ملامح دولة الحق

توضح روس بأن دولة الحق هي واقع معيش، وليست مدينة فاضلة، وهي ممارسة معقلنة لسلطة الدولة، وتسعى إلى تحقيق وبلورة الحريات العامة. فوظيفة الدولة  الحفاظ على الكرامة الإنسانية، ضد كل أنواع العنف والترهيب والتخويف، من خلال تجسيد مبدأ الحق كأحد ملامح دولة الحق والقانون، التي تؤدي إلى ممارسة معقلنة للسلطة، هذا المبدأ الذي يتمثل في احترام  الشخص والحريات الفردية والجماعية، إضافة إلى القانون أي خضوع الكل لقانون وضعي مبني وفق معايير أخلاقية، مع إمكانية حمايته من لدن قاض، إلى جانب مبدأ فصل السلط (السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية، السلطة القضائية). إذن فدولة الحق تتخذ ملامح ثلاثة : القانون، الحق، وفصل السلط" ، وهي جميعها تضمن احترام الشخص وتسهر على تأسيس هذا الاحترام. فلا يمكن أن يوجد حق دون قانون عادل وصريح. كما أن إحقاق الحق مستحيل دون فصل بين السلط، وهي الآلية التي تحمي الدولة من السقوط في يد الاستبداد.

موقف مونتسكيو

يؤكد مونتسكيو أن الدولة ينبغي أن تقوم على ثلاث، وهي السلطة التشريعية، والتنفيذية، والسلطة القضائية، وبين أن هذه السلط لكل منها اختصاصاتها ولا ينبغي الجمع بينها وذلك حتى تكون السلطة السياسية ديمقراطية وعادلة، أما إذا اجتمعت كلها في يد شخص أو هيئة واحدة فذلك يعني غياب الحرية وسن قوانين استبدادية، فيصبح القاضي أو من بيده الحكم هو المشرع نفسه، وبالتالي يمتلك قوة القامع. إن الحق في الحرية وفي حياة مطمئنة يشترط ألا تجتمع السلط الثلاث بين يدي شخص واحد، وهذا يعني أن السلطة السياسية لا ينبغي أن تنحو إلى القمع والاستبداد.

موقف بول ريكور: الوظيفة التربوية للدولة

يرفض "بول ريكور" أن تختزل فكرة الدولة في ما أسماه ماكس فيبر العنف المشروع. فالدولة بوجهها البارز أكثر، يتجلى في السلطة التي تعطي للجماعة طابع هيئة خاصة تهدف إلى الاستقلالية  والاستمرارية، وتمنح للدولة الحديثة مهمة المربي من خلال مجموعة من المؤسسات (المدرسة والجامعة والثقافة ووسائل الإعلام..). لذلك ورغم أن الدولة تمتاز بالعنف المشروع إلا أنه لا ينبغي تعريفها انطلاقا من العنف، وإنما انطلاقا من السلطة والوظيفة التي تقوم بها.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق