إشكالية العلاقة بين اللغة والفكر مدونة الفلسفة

درس مفهوم اللغة: الأولى باكالوريا آداب وعلوم إنسانية

مدخل إشكالي للمفهوم؛

تتحدد اللغة في التداول العام والشائع بالكلام، وهي حسب ما جاء في معجم لسان العرب لابن منظور «أصوات يعبر بها قوم عن أغراضهم». واللغة في دلالتها الفلسفية لها معنيين حسب لالاند: معنى خاصا ومعنى عاما. اللغة بالمعنى الخاص هي: «التعبير الكلامي عن الفكر داخليا أو خارجيا»، وعي بالمعنى العام: «كل نسق يمكن أن يُتّخذَ وسيلة للتواصل (كلام، إشارات، رموز، إماءات، ..)».

من خلال ما تقدم يمكن أن نحدد مجموعة من التقابلات المرتبطة بمفهوم اللغة، تقابلات نجملها في التساؤلات الآتية: هل اللغة خاصية إنسانية، وما الذي يجعلها كذلك أم أنها قاسم مشترك بين الإنسان والحيوان؟ ما علاقة اللغة بالفكر؟ هل تشكل القواعد المتضمنة في اللغة نوعا السلطة، وما علاقة السلطة باللغة؟

المحور الثاني: اللغة والفكر

تأطير إشكالي؛

يقول ألان «إن الشخص الذي لا يعرف غير الأشياء يعتبر شخصاً بدون أفكار، إذ في اللغة توجد الأفكار». من هذه المقولة نفهم أن اللغة والفكر بينهما علاقة إشكالية، فإذا كان للغة مضمون بالضرورة، وكان ذلك المضمون عبارة عن أفكار ودلالات ومعان نود التعبير عنها أو إبلاغها للغير. هنا تبرز بوضوح مسألة علاقة اللغة بالفكر، أهي علاقة أسبقية زمانية (انفصال) أو أنها علاقة تزامن وترابط (اتصال وتماهي)؟ وهل اللغة قادرة بالفعل على التعبير عن أفكارنا، أم أنها قاصرة حتى عن تحقيق هذه الغاية؟

تحليل نص: أسبقية الفكر على اللغة، روني ديكارت؛

يفصل ديكارت بين اللغة والفكر على اعتبار أن الفكر من طبيعة روحية ويمثل الجوهر، وهو المسؤول عن وجود الأفكار؛ أما اللغة فهي مجرد عرض {شيء ثانوي} لأنها من طبيعة مادية {الجسد} ولا دور لها سوى التعبير عن الأفكار وحسب. فانفصال الفكر عن اللغة واستقلالها عنها يرجع إلى تصور الفكر جوهرا خاصيته الوحيدة هي التفكير.

إذا كان ديكارت قد فصل بين الفكر واللغة واعتبر هذه الأخيرة شيئا ثانويا وظيفتها التعبير عن الفكر، فإن في الأمر تناقضا، إذ كيف يمكن للغة في بعدها المادي {الكلام، الصوت، الكتابة} أن تترجم الفكر ذو الجوهر الروحي والمفارق للمادة؟

تحليل نص؛ وحدة اللغة والفكر؛ موريس ميرلوبونتي:

يرفض ميرلوبونتي الفصل بين الكلام والفكر، واعتبار الكلام "علامة" للفكر، مثلما يدل الدخان على النار، ذلك لأن كلاًّ منهما محتوى أو متضمن في الآخر. «يؤخذ المعنى من الكلام، والكلام هو الوجود الخارجي للمعنى». وليس معنى هذا أن الكلام مجرد وسيلة أو أنه غلاف للفكر ولباس له. إنما المقصود ان اللغة (الكلام) هي الفكر ذاته، هي جسم الفكر وحضوره في العالم وفي التواصل بين الذوات المتكلمة. فالفكر لا وجود له خارج العالم والكلمات. بمعنى أنهما متزامنان ومتماهيان، ولا أسبقية لأحدهما على الأخر. هكذا «فإن الشيء بالنسبة للطفل يبقى غير معروف حتى تتم تسميته، فالاسم هو ماهية الشيء التي تكمن فيه بنفس الطريقة التي يكمن فيها لونه وشكله».

تحليل نص؛ الفكر لا ينفصل عن الكلام؛ دوسوسير:

ينتقد دوسوسير التصور الثنائي التقليدي للغة والفكر، فالفكر لا يمكن إدراكه إلا كنشاط أو فعالية، وليس كجوهر أو كيان.  إن الفكر بوصفه نشاطا، لا يتم بمعزل عن الكلام، داخليا كان أو خارجيا. فحتى التفكير في صمت هو كلام خافت. لذلك فإن كل محاولة لتصور الفكر خارج اللغة والكلام وبمعزل عنهما، لابد أن تنتهي إلى الفشل، لأن الفكر سيظهر حينئذ ككتلة سديمية أو عمياء لا شكل له ولا صورة محددة. فاللغة والفكر وجهان لعملة واحدة.

إذا كانت اللغة والفكر يمثلان شيئا واحدا كما قال ميرلوبونتي أو كما تبين مع دوسوسير وجهان لعملة واحدة، أفلا يبدو هذا تقزيما للفكر الذي هو أغنى وأعمق من اللغة؟ ألا تبدو اللغة عاجزة عن الإحاطة بكل إمكانياته وطاقاته وعمقه؟ ألا تكون اللغة بذلك غير قادرة على التعبير عن الفكر بكل أبعاده وجوانبه خاصة الوجدانية والصوفية؟

تحليل نص؛ ازدواجية العلاقة بين اللغة والفكر؛ هنري برغسون:

يكشف برغسون عن العلاقة المزدوجة للفكر واللغة، فهي من جانب علاقة ارتباط عندما يتمكن الفكر من التعبير بواسطة اللغة عن فكر قابل للتحليل والتجزيء والتصنيف، وهي من جانب آخر علاقة انفصال خاصة عندما لا يتمكن الفكر من التعبير بواسطة اللغة عن المسائل المتعلقة بالحالات النفسية، كأن تعجز عن نقل التجربة الوجدانية، وهذا راجع إلى أن اللغة هي لغة العقل بوصفه ذكاء يقوم في تعامله مع الأشياء على القسمة والتجزيء والقياس الكمي والتي تحقق المنفعة والمردودية، وهذا ما لا يمكن أن ينطبق على المشاعر والتجارب الوجدانية الشعورية الحية.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق