موضوع مقالي في مفهوم الغير طبيعة العلاقة بين الأنا والغير

موضوع مقالي – إنشاء فلسفي مفهوم الغير، صيغة السؤال الإشكالي:

هل كل علاقة مع الغير تنبني على المصلحة؟

مطلب الفهم / التقديم 4ن؛

    يتحدد الوضع البشري أي وضع الكائن الإنساني كأحد أهم الباحث الفلسفية الكبرى (وهو مبحث الوجود / الأنطولوجيا)،  بجملة من المحددات والشروط القبلية التي تحكم وجود الإنسان في العالم، منها ما هو ذاتي، وعلائقي، وزمني. وما يحدد الإنسان كغير اعتباره ذات أخرى أو أنا آخر له نفس مقومات الأنا من جهة وله مقوماته الذاتية الخاصة من جهة، أي أن الغير هو "أنا آخر، ليس هو أناي"، والغير كمفهوم فلسفي لم يتبلور إلا مع الفيلسوف الألماني هيغل. والسؤال الذي نحن بصدد تناوله يسلط الضوء على قضية العلاقة مع الغير، كقضية إشكالية قيمية أخلاقية تبحث في طبيعة العلاقة التي يمكن أن تربط بين الذوات (الأنا، الغير)، قضية يكشف التناول الفلسفي لها عن مفارقة بداخلها، باعتبار أن علاقة الذات بالغير منطلقها هي المصلحة، وأن المصلحة ليست هي ما يربطنا  بالغير في الغالب بل الصداقة والغيرية وأيضا وفي مستويات أخرى الصراع والانعزال.. وأمام هذه المفارقة يمكننا التساؤل

حول ما إذا كانت فعلا كل علاقة مع الغير قوامها المصلحة؟ وما الغير؟ وما المصلحة؟ ما أساس العلاقة مع الغير؟ وهل هي علاقة  تنبني على حب الذات أم على الحب والاحترام المتبادل بين الذوات أم على التضحية المتبادلة أم أنها تنبتي على أساس غير أخلاقي كالصراع أو الانعزال؟ ثم لماذا تنبني علاقتنا بالغير على المصلحة؟

 مطلب التحليل 5ن؛

      يحمل السؤال أطروحة مفترضة مفادها أن كل علاقة مع الغير كيفما كانت مبنية على أساس المصلحة، بمعنى أنه لا توجد علاقة بين الذوات تكون خالية من المصلحة والمنفعة، أي أن الصداقة، العزلة، الغيرية، الصراع... كنماذج للعلاقة مع الغير هي في أساسها مبنية على المصلحة، بحيث لا توجد صداقة أو صراع إلا وبدافع تحقيق مصالح محددة، وقد تنتهي تلك العلاقة بانقضاء المصلحة. كما يتضمن السؤال مفهومي أساسيين هما الغير، والمصلحة، إضافة إلى مفردات أخرى (هل، العلاقة، تنبني)، ويحل الغير كمفهوم فلسفي على ذات أخرى واعية حرة ومسؤولة، والتي تربطها ب"الأنا" علاقة مبنية على المصلحة، ويشير مفهوم المصلحة إلى كل ما فيه منفعة وفائدة بالنسبة للذات وخاصة من ناحية مادية مباشرة، أما لفظ العلاقة فيحيل على الرابطة التي تجمع بين الأنا والغير وهي رابطة المصلحة، ولفظة تنبني تشير إلى الأساس أو المبدأ، وهل؛ أداة استفهام تفيد التصديق أو التكذيب بما عُرضَ علينا حول العلاقة مع الغير. ويمكن لتبرير أطروحة السؤال المفترضة والإقناع بها من خلال افتراض بعض الحجج، من قبيل ضرب مثال واقعي حيث نجد أن ارتباط الناس ببعضهم تحكمه مصالح متبادلة (تجارية، إدارية، ..) فالشخص الذي يشغل منصبا ما بإدارة من الإدارات يقيم علاقة ود وصداقة (في الظاهر) مع من هم أعلى منه مرتبة، ومع أخرين من خارج مجال عمله، والعكس صحيح، وذلك في حقيقته (العلاقة) لم يكن ليتم لولا وجود مصالح متبادلة بينهم أو حتى غير متبادلة بحيث يتوسط أحدهم الاخر لقضاء غرض مثلا دون الحاجة إلى التنقل بين الادارات وذلك عبر إجراء اتصال هاتفي فقط. أما بخصوص نموذج علاقة الصراع فمن المعلوم أن كل صراع هو لأجل المصلحة، فليس هناك صراع من أجل الصراع.

   نستنتج من خلال التحليل، أن العلاقات الإنسانية في معظمها مبنية على المصلحة، لكن ألا يمكن أن تكون هذه العلاقات مبنية على أسس أخرى غير المصلحة كالاحترام المتبادل أو حب الآخر؟ وهل المصلحة الوجه الوحيد للعلاقة مع الغير؟ وفيما تكمن قيمة وحدود الأطروحة المفترضة للسؤال؟

مطلب المناقشة 5ن ؛

    لا شك أن الفكرة المتضمنة في الأطروحة المفترضة لها قيمة وأهمية فكرية وفلسفية، وواقعية، بحيث شكلت تجاوزا لتصورات فلسفية واخلاقية تحصر أسس العلاقة مع الغير فيما هو عقلي أخلاقي، معتبرة حب الشخص لذاته أساس كل علاقة معه (الصداقة)، أما واقعيا فنجد أن حتى علاقة الصداقة لا تخلو من المصلحة. وهذا ما تؤكده بعض الاطروحات الفلسفية، بحيث نجد لهذه الأطروحة المفترضة امتداد في موقف دافيد هيوم الذي يؤكد فيه أن الميول والمشاعر التي نحس بها تجاه الغير ليس خالصة ومنزهة عن كل مصلحة أو منفعة، ويضرب مثالا على ذلك بالصداقة الأكثر سخاء، باعتبارها مجرد تحوير لحب الذات، "فالصداقة الأكثر سخاء، ومهما كانت خالصة، إنما هي تحوير لحب الذات". ففي كل ما يصدر عنا ويحركنا تجاه الغير هو في الواقع بدافع المنفعة الشخصية، سواء بوعي منا أولا.

لكن هذا التصور وبالرغم من واقعيته، يظل غير كاف لمقاربة إشكالية العلاقة مع الغير، وهذا يعني أنه يظل محدودا من الناحية الفكرية والفلسفية التاريخية، ذلك أن العلاقة مع الغير ليست كلها تتأسس على المصلحة، فتاريخ الفلسفة حافل بتصورات واطروحات تكشف أوجه مختلفة للعلاقة مع الغير منذ اليونان فهذا ارسطو يرى أنها علاقة صداقة قوامها العدل والفضيلة، علاقة ثابتة لا تزول لأن أساسها الأخلاقي لا يتغير، خلاف علاقة المصلحة التي زائلة بزوال الدافع إلى قيامها. في نفس المنحى يؤكد إيمانويل كانط على الأسس الأخلاقية للعلاقة بين الأنا والغير، (الحب والاحترام المتبادلين إضافة للواجب)، فالصداقة كنموذج إيجابي، هي اتحاد بين شخصين، يتبادلان نفس مشاعر الحب والاحترام، وتحقيق الخير للصديقين وفق إرادة أخلاقية طيبة خالية من كل منفعة مادية مباشرة.

لكن التصور المعاصر لهذه الإشكالية مع كل من جون بول سارتر وألكسندر كوجيف ينحو إلى اتجاه مغاير تماما التصورات السابقة، فكوجيف على سبيل المثال، يذهب إلى أن الواقع الاجتماعي للإنسان لم يكن يوما ممكنا، لولا الصراع والتنافس لأجل الهيمنة وفرض الذات، في علاقة بالآخرين، أي أنه بفضل الصراع تشكل الواقع الاجتماعي، لما يفرضه من ضرورة تتمثل في وجود طرف متحكم وآخر متحكم فيه، وبهذا الصراع الذي يشهده الواقع تتطور المجتمعات البشرية.

مطلب التركيب 3ن؛

      عموما يمكن القول على سبيل الختم أن إشكالية العلاقة مع الغير قد أعلنت عن تصورات ومواقف متباينة، فدافيد هيوم بين أنها علاقة مصلحة بالأساس، وأرسطو وكانط اتفقا على أنها علاقة صداقة مبنية على أسس أخلاقية خالصة، بينما أكد كوجيف، وايضا سارتر على أنها علاقة صراع بامتياز.

وعليه فإن لهذه الإشكالية أهمية أخلاقية معرفية بحيث نتعرف مختلف أوجه العلاقة مع الغير، والتي راهنت على البعد الإيجابي لتلك العلاقة وأهمية التحلي يقيم ومبادئ أخلاقية في علاقتنا ببعض. وعليه فالواقع اليومي نكتشف بحق أهمية ربط علاقات إيجابية مع الآخرين، والتحلي بقيم الصدق وحب الغير والسعي لما فيه الخير المشترك،  بعيدا عن أي مصلحة ظرفية تجعل من الاخرين مجرد وسائل نستخدمها لتحقيق مصالح شخصية (أنانية) سرعان ما يكشف لنا الواقع مع الوقت زيفها وزوالها.

*** تمنح ثلاثة نقاط على الجوانب الشكلية: وضوح الخط، وسلامة اللغة من الأخطاء الاملائية، تماسك الموضوع (الفقرات) مع احترام علامات الترقيم.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق