موضوع مقالي موضعة الظاهرة الإنسانية (قولة للتحليل والمناقشة)

إنشاء فلسفي مفهوم العلوم الإنسانية، مادة الفلسفة،

الموضوع: قولة فلسفية؛

"إن المعرفة التي يُكونها الإنسان عن نفسه تبقى دائما، مُشْبَعَة بالذاتية."

حلل (ي) مضمون القولة مبينا لِمَ، يصعب على الباحث أن يكون محايدا؟

مطلب الفهم، (4ن)

يعالج المجال الإشكالي للقولة مفهوم المعرفة كمجال إبستمولوجي، يبحث في طرق المعرفة ومصادرها عبر تحديد شرائطها وحدودها، تحت ما يسمى الإبستمولوجيا أو فلسفة العلوم. كما تتناول القولة موضوع  طبيعة المعرفة في حقل العلوم الإنسانية أو مسألة العلمية في مجال الدراسات الإنسانية؛ النفسية، الاجتماعية، التاريخية.. ويقصد بالعلوم الإنسانية مجموع العلوم التي  تدرس الفعل الإنساني في مختلف تجلياته: النفسية، والاجتماعية، الثقافية.. كعلم النفس، علم الاجتماع، الأنثروبولوجيا، والتاريخ.. علوم تسعى لبناء معرفة علمية بخصوص الظواهر الإنسانية، وذلك على غرار ما حققته العلوم الحقة من نتائج بخصوص الظواهر الفيزيائية. لكنها تعترضها صعوبات بخصوص مسألة الموضوعية وهنا نجد أنفسنا أمام إشكال ومفارقة طبيعة المعرفة التي تتوصل إليها العلوم الإنسانية ومدى قابلية الظاهرة الإنسانية للدراسة العلمية من عدمها، مما يستدعي طرح جملة من التساؤلات: ما طبيعة المعرفة التي نكونها عن الإنسان؟ ما معنى الذاتية؟ وهل المعرفة التي يتم تكوينها حول الإنسان ذاتية أم موضوعية؟ إذا كانت ذاتية فبما يفسر ذلك؟ ما هي الصعوبات التي تواجه الباحث عندما يكون الموضوع هو الإنسان؟ أما إذا كانت معرفة موضوعية فبما تتحدد؟ وكيف يمكن بناء معرفة موضوعية حول الظاهرة الإنسانية؟

مطلب التحليل، (5ن)

تحمل القولة محور الدراسة  تصورا معينا بخصوص طبيعة المعرفة التي يكونها الإنسان عن نفسه، فهي معرفة نسبية مطبوعة بالذاتية، وغير موضوعية، أي أن معرفة الإنسان لذاته (للفعل والظواهر الإنسانيين) لا يمكن أن تكون معرفة موضوعية، دقيقة، فهي دائما ما تكون بعيدة عن أن تكون محايدة، إنها مشبعة بالذاتية. أي أنها عبارة عن أحكام وانطباعات ذاتية تؤطرها عواطف وتوجهات الباحث الفكرية والأيديولوجية، والقيمية.. بحكم ارتباط الباحث بموضوع بحثه الذي هو المجتمع أو الفرد أو المعتقد، فالباحث جزء لا يتجزأ من موضوع الدراسة.

* لحظة تحليل المفاهيم

وهذه الأطروحة تتأسس على بناء مفاهيمي هام (المعرفة، الإنسان، الذاتية) وتحيل لفظة المعرفة: على المعلومات والأفكار التي يتم تحصيلها كثمرة لجهد عقلي يبدله الإنسان في علاقة بموضوع ما، والموضوع هنا هو الإنسان ذاته، ويشير مفهوم الإنسان: إلى الذات الواعية والمفكرة والعارفة بنفسها، أما مفهوم الذاتية: فيدل على تدخل وطغيان جانب المشاعر والعواطف والمعارف المسبقة عندما يبحث الإنسان (الباحث) موضوع يتعلق بالإنسان. وتشكل هذه المفاهيم مجتمعة اللبنة التي قامت عليها أطروحة القولة، بحيث تربط بينها علاقة ترابط وتلازم ذلك أن المعرفة التي يحصل عليها الإنسان عندما يدرس ذاته تتسم بالذاتية، فهو يدرسها مزودا بأحكام ومعارف مسبقة، ومتمركزة حول الذات.

* لحظة البناء الحجاجي للأطروحة

وللمحاججة والاستدلال على الأطروحة التي يحيل عليها مضمون القولة يمكن الاستعانة بمجموعة من الآليات: كالمقارنة؛ بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية من حيث خصائص موضوع كل منهما، فموضوع العلوم الإنسان هو الإنسان ذاته الذي يتميز بالوعي والتغير (عدم قابليته للقياس أو التجريب..)، التأثير والتأثر (موضوع حي) ... بينما موضوع العلوم الطبيعية فيتعلق بأشياء العالم الخارجي وظواهره الملاحظة والقابلة للقياس وإعادة التكرار نظرا لتباثها.  وكمثال انطلاقا من التجربة الذاتية فمعرفتنا بإنسان آخر صديق أو أخ أو حتى العدو، غير موضوعية، فهي عبارة عن أحكام وانطباعات ذاتية نسقطها عليه وفق ما يسمى مبدأ المماثلة والإسقاط،  كما يمكن الاستدلال بحجة السلطة؛ حيث نستشهد بقول لأحد المفكرين الذين لهم نفس وجهة النظر حيث يقول: "إن خلخلة تمركز الذات حول ذاتها، والتي هي عملية ضرورية (شرط) لتحقيق الموضوعية تكون أكثر صعوبة حينما يكون الموضوع هو الذات".

نستنتج من لحظة التحليل أن الذاتية أو تمركز الذات حول ذاتها في العلوم الإنسانية يجعل من المعرفة في العلوم الإنسانية ذاتية غير موضوعية. فإلى أي حد تظل معرفة ذاتية؟ وهل بالإمكان أن تكون معرفة موضوعية؟

مطلب المناقشة 5ن؛

* إبراز قيمة الأطروحة

في إطار الإجابة على هذه التساؤلات وما تقدمها من تساؤلات أخرى، سنتوقف أولا عند قيمة وأهمية أطروحة القولة، ثم ثانيا عند حدودها، وتتجلى قيمتها في عدة مستويات: من الناحية الفكرية أو الفلسفية فتتجلى في تقديم تصور مغاير للتصور الوضعي الذي يذهب أصحابه إلى الاقرار بموضوعية المعرفة التي يكونها الإنسان عن ذاته، ومن ناحية علمية فتكمن أهمية الأطروحة في إبراز أهم الصعوبات والعوائق التي تجعل المعرفة الإنسانية مشبعة بالذاتية وبعيدة كل البعد عن الحياد. وهذا ما تؤكده العديد من الأطروحات الفكرية  لمجموعة من المفكرين أمثال بياجي، باستيان، بوفريس وغيرهم، فبياجي نموذجا يؤكد أن لكل من الظاهرة الطبيعية  والظاهرة الانسانية، خصوصيتها ولا يمكن أبدا المماثلة بينهما، ذلك أن الموضوع في العلوم الإنسانية هو الإنسان، هذه الخصوصية هي التي تطرح صعوبات التزام الحياد والموضوعية بمعناها العلمي في مجال العلوم الإنسانية، إذ يطرح مشكل تداخل الذات والموضوع، وما يترتب عنه من اخلال بمبدأ وشرط الموضوعية المتمثل في الفصل بين الذات والموضوع، هكذا فيقول بياجي: "إن الذات الملاحظة لذاتها ولغيرها والمجربة على نفسها وعلى غيرها، يمكن أن تتغير بحكم ما لاحظته وجربته من جهة، كما يمكنها أن تؤثر في سير هذه الظواهر وتغير طبيعتها." أما باستيان فيوضح من جهته المفارقة التي يعيشها الباحث الاجتماعي، مفارقة غير قابلة للاختزال في نظره، "تتمثل .. في كونه لا يستطيع الانفصال كلية عن مجتمعه الذي هو موضوع دراسته، في حين يمثل هذا الانفصال مبدأ كل جهد علمي".

* إبراز حدود الأطروحة

وفي إطار مناقشة أطروحة القولة، يمكن القول بأن لها نقاط ضعف أو حدود، تتمثل في البعد العلمي بحيث تغلق المجال أمام إمكانية تحقيق العلمية في مجال الدراسات الإنسانية وتأسيس معرفة يمكن من خلالها فهم العديد من الظواهر الإنسانية وحل العديد من المشاكل الاجتماعية والنفسية على الخصوص، وهذا ما ذهب إليه العديد من المفكرين في دراساتهم العلمية للظواهر الإنسانية  ونخص بالذكر أوغست كونت وإميل دوركايم إذ يقول كونت: "إن الاستكشاف العلمي في السوسيولوجيا، شأنها في ذلك شأن البيولوجيا، يستخدم ثلاثة أنماط أساسية.. وهي الملاحظة الخالصة، والتجريب الدقيق، وأخيرا المنهج المقارن." يستفاد من هذا القول أن السوسيولوجيا (علم الاجتماع) كعلم يدرس الظواهر الاجتماعية، لا يختلف عن باقي العلوم في تعامله مع موضوعاته، بحيث يدرسها بنفس المنهج العلمي (التجريبي الاستقرائي)، بمعنى أن العلوم الاجتماعية يمكنها أن تؤسس لمعرفة موضوعية حول الظواهر التي تتخذها موضوع دراسة، وذلك بأن تتعامل مع الظواهر الإنسانية والاجتماعية، كما قال "دوركايم" بوصفها أشياء.

مطلب التركيب 3ن؛

ختاما، يمكن أن نجمل ما تم عرضه في القول إن المواقف والتصورات قد اختلفت وتباينت حول طبعة المعرفة في حقل العلوم الإنسانية، فهي معرفة ذاتية تقريبية من جهة، وموضوعية دقيقة من جهة ثانية. وتكمن أهمية الإشكال ورهانه في إبراز البعد التركيبي الذي يسم موضوع العلوم الإنسانية ما ينعكس بشكل أو بأخر على طبيعة المعرفة التي يكونها الإنسان عن ذاته، نظرا لما له من خصوصيات تجعل مميزا عن باقي موضوعات العلوم الأخرى. وحسب منظورنا الخاص وبناء على ما سلف فإن مطلب العلمية ومطمح فهم الإنسان وتفسير سلوكاته وما تعبر عنه من ظواهر نفسية، اجتماعية، ثقافية، دينية.. غاية كل جهد وبحث معرفي.

ومنه يمكن أن نتساءل كيف يتعامل العالم في مجال العلوم الإنسانية مع موضوع دراسته؟ ما هو المنهج الذي يعتمد عليه؟ هل الظاهرة الإنسانية تفسر أم تفهم؟

*** تمنح ثلاثة نقاط على الجوانب الشكلية: وضوح الخط، وسلامة اللغة من الأخطاء الإملائية، تماسك عناصر الموضوع (الأفكار، الفقرات، التنظيم...) مع احترام علامات الترقيم.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق