درس مفهوم الرغبة جميع المحاور: الرغبة والحاجة الرغبة والإرادة الرغبة والسعادة

مفهوم الرغبة: الرغبة والحاجة، الرغبة والإرادة، الرغبة والسعادة،

مجزوءة ما الإنسان / مفهوم الرغبة

تقديم إشكالي لمفهوم الرغبة؛ تشير كلمة الرغبة في اللغة العربية حسب ابن منظور إلى معانٍ منها؛ الحرص على الشيء، والطمع فيه، فنقول رغب فلان في الشيء بمعنى أراده، ورغب عن الشيء بمعنى رفضه وتركه. وفي معجم روبير، نجد "أبدي رغبة في شيء أي أني أريده" ، بمعنى أن الرغبة ميل لتحصيل شيء ما بغية تحقيق اللذة. وأما معنى الرغبة بمفهومها الفلسفي وحسب لالاند فهي ميل عفوي واعي نحو غاية معلومة أو في الخيال.

من خلال ما تقدم نلمس أن هناك تداخل بين مفاهيم؛  الرغبة، الحاجة، والإرادة، وأمام هذا الالتباس المحيط بمفهوم الرغبة، يمكن طرح عدة قضايا فلسفية:

علاقة الرغبة بالحاجة، علاقة الرغبة بالإرادة، علاقة الرغبة بالسعادة،

المحور الأول: الرغبة والحاجة

تأطير إشكالي للمحور؛

إذا كان الإنسان كائنا راغبا، فمعنى ذلك أن رغباته ترتبط بموضوع ما. فكيف يتحدد ذلك الموضوع؟ هل يتحدد بشكل تلقائي أم أن الحاجة إليه هي ما يفرض السعي إلى تحقيقه؟ وما المقصود بالرغبة؟ ما الحاجة؟ وما الفرق بين الرغبة والحاجة؟ ما طبيعة الرغبة الإنسانية؟ ما علاقتها بالحاجة؟ هل هي علاقة اتصال واستمرارية أم انفصال وقطيعة؟ ما هي أنواع الرغبات والحاجات الإنسانية؟

تحليل نص: من الحاجة إلى الرغبة، ميلاني كلاين،

أسئلة النص؛

ما طبيعة الرغبة؟ وما علاقتها بالحاجة؟ كيف تتحول الحاجة إلى رغبة؟ وما انعكاس ذلك على شخصية أطروحة وموقف ميلاني كلاين؛

أطروحة وموقف ميلاني كلاين: علاقة الرغبة بالحاجة

توضح كلاين العلاقة بين الرغبة والحاجة، داخل نظرية التحليل النفسي، من خلال علاقة الطفل بثدي أمه، حيث أكدت أن الحاجة الطبيعية (الطعام) تتحول إلى رغبة نفسية لاشعورية في التخلص من القلق والدوافع التدميرية. فالعلاقة بين الرغبة والحاجة علاقة امتداد نفسي لاشعوري تساهم في فتح الطريق أمام نشاط الطفل الإبداعي والتكيف السليم مع المحيط الخارجي مستقبلا، وهنا تبرز كلاين مدى أهمية الطريقة والكيفية التي تلبى بها حاجات الطفل في تحديد ملامح شخصيته المستقبلية.

البناء المفاهيمي للنص؛

الحاجة: الافتقار والافتقاد لشيء ما، لابد منه، وتحيل على الضرورة الطبيعية من طعام ونوم وشرب التي لا غنى الكائن الحي عنها،

الرغبة: ميل ونزوع نفسي لاشعوري نحو موضوع يحقق للذات إشباعا،

الإعلاء: تحويل الدوافع الغريزية والميول إلى أنشطة إبداعية ما يساهم في بناء الشخصية،

الاحباط: حالة نفسية تنتاب الفرد عندما يكتشف أن هناك ما يحول دون تحقيق رغبته،

الشخصية: نظام نفسي يتشكل لبنة لبنة مع مرور الوقت، ويتكون من الأنا، الأنا الأعلى، والهو، والعلاقة بين هذه المكونات تحدد شخصية الفرد.

مطلب المناقشة؛ الانفتاح على مواقف وأطروحات أخرى؛

موقف رالف لينتون؛ تحليل نص: الثقافة تحكم في الرغبة

يصنف رالف لينتون الحاجات الإنسانية إلى ثلاثة أصناف؛ بيولوجية، اجتماعية، ونفسية. هذه الحاجات تتحول في نظره إلى رغبات بفعل تدخل الثقافة، فعلى سبيل المثال تتحول الحاجة لحماية الجسم باللباس إلى رغبة في امتلاك حضوة اجتماعية ونيل إعجاب الآخرين. واللباس بهذا المعنى يقوم بوظائف تتجاوز مستوى الحاجة إلى حماية الجسم إلى ما هو اجتماعي، جمالي، أخلاقي، وجنسي (تحريك الرغبات الجنسية).

موقف جيرانفيل؛

تمثل الحاجة معطى بيولوجيا، موضوعها خال من اي معنى، كما أن إشباع الحاجة ما هو إلا تعبير عن عدم اكتفاء ووجود حرمان. أما الرغبة فهي الحرمان الذي يُفَسّر بالطلب، فعندما أطلب فأنا أقر بالحرمان.

موقف جيل دولوز؛

إذا كان البعض يربط الرغبة بالحاجة لشيء، أي أن الحاجة هي التي تولد الرغبة في داخلنا، فإن دولوز على عكس هؤلاء يبين أن الرغبة ليس حاجة لشيء، بل هي إنتاج لذلك الشي بالذات، فالرغبة إنتاجا للواقع وإبداعا له، لأن الرغبات لا تقاس على الحاجات، بل إن الحاجات هي التي تشتق من الرغبات. فلا وجود لشيء آخر غير الرغبة وموضوعها الاجتماعي.

موقف بودريار؛

يرى بودريار أن الرغبة المرتبطة بالاستهلاك ليس مجرد التهام أو إشباع للحاجات، على اعتبار أنه لا حدود للاستهلاك؛ فالرغبة في الاستهلاك لا تقوم على إرضاء الحاجات، بل إن الرغبة في الاستهلاك رغبة سيكولوجية وحتمية، كما أن الاستهلاك غير قابل للكبح مادام مبنيا على الحرمان.

تركيب للمحور الأول:

نستنتج من خلال ما تقدم أن إشكالية علاقة الرغبة بالحاجة تطرح مقاربات مختلفة؛ فمقاربة التحليل النفسي مع ميلاني كلاين أكدت بأن الحاجة البيولوجية تتحول إلى رغبة نفسية لاشعورية، ولذلك تأثير على شخصية الطفل، أما المقاربة الأنثروبولوجيا مع رالف لينتون فخلصت إلى ان الثقافة هي التي تحدد رغبات الفرد وتوجهها وفق ما يتناسب ومبادئ المجتمع الذي ينتمي إليه، غير أن دولوز على عكس هؤلاء يبين أن الرغبة ليس حاجة لشيء، بل هي إنتاج لذلك الشي بالذات، فالرغبة إنتاجا للواقع وإبداعا له. بناء عليه فالعلاقة بين الرغبة والحاجة هي من جهة علاقة اتصال واستمرارية، ومن جهة ثانية علاقة انفصال وقطيعة.

المحور الثاني: الرغبة والإرادة

تأطير إشكالي؛

يبدو أن هناك تداخلا بين الرغبة والإرادة، فغالبا ما نردد القول: إننا عندما نريد شيئاً ما فمعناه أننا نرغب فيه. فما علاقة الرغبة بالإرادة؟ وهل الرغبة والإرادة مترادفات، أم هناك اختلاف بينهما، فكيف تتفاعل الرغبة والإرادة في الإنسان؟ وما هي الحدود الفاصلة بينهما؟ وهل نرغب فيما نريد أن نريد ما نرغب؟ وهل للإنسان سلطة على رغباته أم لا؟

تحليل نص سبينوزا : الرغبة ماهية الإنسان

أسئلة النص؛ ما علاقة الرغبة بالشهوة والوعي وبالإرادة؟ هل يمكن التمييز بين الرغبة والإرادة؟ كيف يعي الإنسان رغباته؟

موقف باروخ سبينوزا؛

تعد الرغبة خاصية إنسانية، لأنه وحده يعي رغبته، والمتمثلة في الجهد الذي يسعى به كل فرد إلى حفظ وجوده، فالرغبة هي الشهوة المصحوبة بوعي، أي شهوة واعية يتداخل فيها صوت العقل ونداء الجسم، وهي تختلف عن الإرادة كجهد يتعلق بالنفس او العقل وحده. هكذا تتضح علاقة الرغبة بالإرادة وبالوعي، فالإنسان كائن راغب يعي شهواته لكنه مع ذلك يجعل العلل وراء رغباته، كما أن له إرادة يستمدها من قدرته العقلية.

البناء الحجاجي لنص اسبنوزا؛

ألية العرض؛ تقديم فكرة عامة، كون النفس تحافظ على بقائها ووجودها بواسطة ما تحمله من أفكار، بحيث تعي النفس بهذه الأفكار ذاتها،

ألية التعريف؛ تعريف مفاهيم الرغبة، الإرادة، والشهوة:

الرغبة: شهوة واعية بذاتها أو مصحوبة بوعي،

الشهوة؛ جهد صادر عن العقل والجسم معا لأجل ضمان بقاء الذات،

الإرادة: القدرة والجهد الذي تبذله النفس لأجل استمرار وجودها، وهي قدرة على التفكير واتخاذ القرار،

ألية التشبيه أو المثال: ضرب مثال بالمنزل، ليوضح هجل الإنسان بالدوافع الحقيقية والخفية وراء رغباته، فالمنزل لا تقتصر غايته في الشكل فقط، باعتباره على غائية، فهناك علل أخرى تقف وراء هذه الرغبة لكننا نجهل حقيقتها.

موقف شوبنهاور؛ تحليل نص: ترابط الرغبة والإرادة

يربط شوبنهاور بين الإرادة والحاجة من جهة، وبين الإرادة والرغبة من جهة أخرى. فالإرادة لديه هي ذلك المجهود الواعي الذي يشكل ماهية الإنسان، ومتى تمت إعاقته فإن ذلك يفضي إلى المعاناة؛ أما الرغبة فإنها تتولد عن الحاجة، أي عن حالة عدم الرضى عنها، وبذلك تبذل الإرادة جهدا لتجاوز تلك الحاجة. لكن الأمر لا يتوقف هنا بل تستمر العملية إلى ما لا نهاية مادام الإنسان مفعما بالإرادة وخاضعا للرغبة، وهذا ما يفقده الراحة والسكينة.

موقف هيغل؛ تحليل نص؛ كيف يحقق سلب موضوع الرغبة وعي الذات بذاتها

لا يمكن الحديث عن الرغبة إلا في حضور الذات، بل إن الذات تحقق وعيها بذاتها بواسطة الرغبة التي تتوسط بين الذات والواقع او الموضوعات الخارجية التي تكون محط رغبة وبتحقيق الإشباع ينتفي الموضوع الخارجي لتحقق الذات وعيها بذاتها موجود مفرد خاص.

موقفف إبيكتيت؛

يذهب إبيكتيت أنه لا يمكن اعتبار الإرادة حرة بالكامل، إنها خاضعة للرغبة. فالإرادة متى تجاوزت الرغبة أصبحت مصدر شقاء، فمن يريد أن يحيا دائما أو أن يحوز ما هو لغيره يكون مآل رغباته الاحباط، لذا يتحتم على الإنسان ألا يلائم بين رغبته وإرادته، وأن يرغب فقط فيما يريده، ويريد ما يرغب فيه، بحث لا يطلق العنان لرغبته.

موقف جاك لاكان؛ ارتباط الرغبة باللاوعي،تحليل نص: هل الرغبة ضد الإرادة؟

يؤكد لاكان أن الرغبة تنشط خارج نطاق أو مجال وحيز الوعي والإرادة الإنسانية، فهي تتداخل مع اللاشعور بحيث يمثل شرط وجودها، فإذا كانت الرغبة لذة أو استمتاع جسدي، فإن ذلك يتحقق بكيفية تخيلية لاشعورية تعود أو ترتد إلى التوترات والدوافع الجنسية المكبوتة خلال مرحلة الطفولة. ويعتبر الحلم المَنفَذِ الأمثل لإشباع الرغبة، حسي تصور التحليل النفسي.

المحور الثالث: الرغبة والسعادة

تأطير إشكالي؛

يعتقد الناس أن سعادتهم مقرونة بتحقيق ما يصبون إليه وإشباع رغباتهم على اختلافها، فالرغبة بهذا المعنى سبيلا لبلوغ السعادة. فما السعادة؟ وما علاقتها بالرغبة؟ هل يؤدي تحقيق الرغبات إلى تحصيل السعادة؟ وهل السعادة ترتبط بالإشباع الآني الرغبة أم بالسعي الدائم لتحقيقها؟ ثم هل السعادة الحقيقية تكمن في إشباع الرغبات أم في التحرر من سلطتها؟

تحليل نص ديكارت : الرغبة والابتهاج،

أسئلة النص؛ ما الرغبة وما الابتهاج؟ ما علاقة الرغبة بالابتهاج؟ وهل الرغبة واحدة أو متعددة؟ إذا كانت متعددة ما هي الرغبة المسؤولة عن السعادة أو الابتهاج؟أطروحة وموقف صاحب النص؛ ديكارت،

أطروحة وموقف صاحب النص ديكارت،

إن الرغبة لدى الإنسان ليست رغبة واحدة فقط، بل رغبات متعددة، وهذا التعدد راجع لتعدد موضوعات الرغبة، كالرغبة في المجد، الرغبة في المعرفة، ... لكن أسماها وأكثرها أهمية هي الرغبة المتعلقة بالميل تجاه شخص آخر، فهي التي تحقق الابتهاج والسعادة للذات، هذه الرغبة هي رغبة الحب.  وبالتالي يرتبط نيل السعادة برغبة الحب التي يكون لدينا تجاه موضوع أو شخص.

البناء المفاهيمي:

الابتهاج؛ حالة نفسية ناتجة عن إشباع رغبة وتملك موضوعها ما حقق للذات المتعة.

الرغبة؛ ميل الذات لذات أخرى لها من السمات ما يجعلها مصدر بهجة وارتياح.

هذين المفهومين متلازمين، بحيث أن تحقيق الابتهاج  يقترن بتحقق الرغبة.

البناء الحجاجي للنص:

العرض: تقديم فكرة عن الرغبة وموضوعاتها وأنها أنواع مختلفة، باختلاف تلك الموضوعات،

المثال: عرض بعض الأمثلة  لأنواع الرغبات؛ الرغبة في الحب، في المعرفة، في المجد، .. وأمثلة لأنواع البهجات؛ البهجة المتولدة عن التمتع بجمال الأزهار،..

الاستفهام: التساؤل عن الرغبة التي تولد البهجة؟

الاستنتاج: إن الاحساس بالميل العاطفي تجاه شخص آخر أعظم وأسمى الرغبات التي تولدها البهجة.

المناقشة (الانفتاح على مواقف وتصورات أخرى)،

موقف ابن مسكويه؛ تحليل نص هل السعادة تكمن في قهر اللذة؟

إن تحصيل السعادة لا يتأتى بالملذات الحسية، فهي تجعل النفس أسيرة الشهوات وتُدخل صاحبها إلى دائرة الحيوان، وتصبح بالتالي مصدر شقاء وتعاسة له. إن السعادة الحقيقية تكمن في الرغبات الروحية والسلوك وفق قيم الأخلاق ما يرفع من شأن الإنسان وقدره.

موقف الفارابي؛

ترتبط السعادة في أذهان الناس بتحقيق رغباتهم، فالرغبة عندهم هي سبيل تحصيل السعادة، في نظر الفارابي، لكن الأمر في نظره ليس كذلك فهي عائق أمامها، ويوضح ذلك من خلال التمييز بين لذات حسية وأخرى عقلية، ويرى أن النوع الأول يعيق نيل السعادة، يقول في هذا الصدد: "وقد تبين بالنظر والتأمل أنها هي الصادّة لنا عن أكثر الخيرات، وهي العائقة عن أعظم ما تنال به السعادة"، بينما النوع الثاني اللذات العقلية الأخلاقية هو سبيل تحصيلها.

موقف سينيكا؛ ( السعادة تحرر من سلطة الرغبات)؛

يقدم لنا سينيكا موقفا في فن سياسة النفس، بحيث على المرء أن يتحكم في رغباته وأحاسيسه الجسمية ومطالبه العضوية، الأمر الذي يضمن له قدرا من الاعتدال واللامبالاة تجاه الأحاسيس، والسكينة التي هي منتهى الحكمة والسعادة. إذن فالإنسان ولكي يكون سعيدا ينبغي أن يدرك حقيقة ذاته وأن تحرر من سيطرة الرغبات والأحاسيس والألم والخوف. "لن تكون النفس إلا أكثر تعاسة إذا أصرت على السعي وراء اللذة المادية، كما لن نكون سعداء من دون العقل السليم، ... وتكون سعداء أخيرا عندما نترك للعقل مهمة تدبير جميع ما يتعلق بوجودنا".

موقف ابيقور؛ تحليل لماذا اللذة مبدأ وغاية الحياة السعيدة؟

يميز أبيقور في الرغبات بين أنواع عدة، فمنها التافه ومنها الطبيعي ومنها الضروري. ويرى أن اللذة تمثل بداية الحياة ومنتهاها، لأنها تعتبر بمثابة الخيرات الطبيعية الاولى. بل هي كذلك "مبدأ اختيارنا او رفضنا (..) إنها تمثل ما نبحث عنه باستمرار. (..) فكل لذة بما هي كذلك خير".

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق