مشروعية الدولة وغاياتها مواقف اسبينوزا هيغل لوك ماركس

مفهوم الدولة، مشروعية الدولة وغاياتها،

مـــجــال الــســيــاســـة مدخل عام لمجزوءة السياسة:

ينظر إلى الإنسان حسب أرسطو باعتباره، "كائن أو حوان سياسي"، بمعنى أنه يتمتع بنشاط اسمه السياسة، والسياسة بالتعريف تحيل على فن أو عام تدبير شؤون الأفراد وحاجياتهم العامة، داخل جهاز سياسي يسمى الدولة، بحيث يتم اخراجهم من حال الفوضى والعنف، وضمان الحق وسيادة العدالة بين الأفراد أو المواطنين؛ فما المقصود بالدولة، بالعنف، والحق والعدالة؟

مدخل لدرس الــدولــة: دلالة المفهوم وإشكالياته؛

    يحيل مصطلح الدولة على الجهاز أو النظام السياسي الذي يحكم تجمعا بشريا عبر قوانين ومؤسسات وأجهزة في مجال جغرافي محدد برا وبحرا وجوا. ومن خلال هذا التعريف يمكن أن نتساءل، ما الغاية من وجود الدولة وما مشروعيتها؟ كيف تحكم الدولة مواطنيها؟ بمعنى أخر كيف تمارس سلطتها؟ وعلى أي أساس تقوم الدولة؟

المحور الأول: مشروعية الدولة وغاياتها

الطرح الإشكالي: إن تناول مفهوم الدولة باعتبارها تجمعا بشريا منظم سياسيا ومؤطر بمؤسسات وقوانين، تهدف تنظيم المجال العام وخلق حياة آمنة ومستقرة لجميع الأفراد، يحمل في طياته عدة مفارقات ضمنية وصيرحة منها، أن الدولة وجدت للحد من العنفي الطبيعي للإنسان فإذا بها تتخذ من العنف وسيلة لفرض وجودها، وهنا نجد أنفسنا أمام إشكال وقضية مشروعية وجود الدولة وغاياته، ما يطرح مجموعة من التساؤلات: لم الدولة؟ ما الغاية من وجود الدولة؟ هل هي تحقيق حرية الأفراد باعتبارها وسيلة أم السيادة ونشر القيم العقلية باعتبار الدولة غاية في ذاتها؟ من أين تستمد مشروعية وجودها؟ من الفراد أو التعاقد أم من ذاتها أم من الصراع الطبقي أو الطبقة المهيمنة؟

موقف جون لوك؛ تحليل نص الغاية من الدولة المحافظة على الخيرات المدنية

تتأسس مشروعية وجود الدولة في نظر لوك على الغاية التي قامت لأجلها، وهي حماية أمن الناس وسلامتهم وممتلكاتهم، فالدولة كتجمع بشري نشأت عن تعاقد إرادي بين الأفراد وذلك "لغرض وحيد هو المحافظة على خيراتهم المدنية (الحياة، الحرية، سلامة البدن، الأرض، النقود..) وتنميتها. وواجب الحاكم المدني أن يؤمّنَ ذلك لكل الشعب، بواسطة قوانين مفروضة بالتساوي على الجميع".

إذن فالدولة بمثابة الوسيلة التي يحقق عبرها ومن خلالها الأفراد أمنهم وكافة حقوقهم الطبيعية منها أو المدنية. لكن إلى أي حد تعد الدولة مجرد وسيلة، أليست غاية في حد ذاتها؟

موقف توماس هوبز؛ تحليل نص: غاية الدولة تحقيق السلم

يؤكد هوبز أن الاجتماع البشري أو الدولة نشأ وتحقق بفعل تعاقد إرادي وميثاق حر بين البشر للانتقال من حالة الطبيعة وهي حالة حرب الكل ضد الكل، إلى حالة المدنية، أي الانتظام والعيش تحت ظل سلطة تكفل للجميع الأمن والحرية والسلام، وذلك بأن يتنازل الأفراد بموجب الاتفاق لصالح شخص أو مجلس عن جميع حقوقهم، إذ لم يكن بوسع الناس أن يخرجوا من دائرة العنف الطبيعي "حالة الحرب المزرية" التي كان فيها الإنسان ذئبا للإنسان، إلا بالتنازل عن حرياتهم وأهوائهم الطبيعية، والتعاقد على سلطة تشكل حاصل إرادتهم (الإرادة العامة).

تقترن نشأة الدولة والمجتمع بنشأة السلطة، حسب هوبز، أي أن السلطة والدولة شيء واحد، متزامنان، ومصدر مشروعيتها هو التعاقد الإرادي المبني على الحرية والطوعية. "وهذا أمر يتجاوز في عمقه مجرد الموافقة والاجماع لأنه يعني اتحادا حقيقيا تذوب فيه مجموعة الأفراد في ذات شخص واحد (...) وإذا تم ذلك، سمي اتحاد الكثرة في كيان واحد دولة (..) وهي التي ندين لها بما نحن فيه من سلام وأمن".

موقف باروخ اسبينوزا؛ تحليل نص: غاية الدولة هي الحرية

يرى اسبينوزا أن الدولة نشأت ليس للسيادة فقط، بل لتحرير الناس من الخوف وتحقيق الأمن وخلق فضاء حر يسمح بتمتع كل مواطن "بحقه الطبيعي في الحياة وفي العمل دون إلحاق الضرر بالغير". ذلك أن "الحرية هي الغاية الحقيقية من قيام الدولة". وشرط قيام الدولة هو تحديد جهة معينة يكون لها الحق في إصدار القرار سواء أكانت الجماعة أو بعض الأفراد أو فرد واحد، وذلك بالاتفاق والتعاقد والتنازل عن الحق في السلوك وفق الهوى، والاحتفاظ بباقي الحقوق، بل والتمتع أكثر بمزيد من الحرية في التفكير والتعبير.

إذن فالدولة ، حسب اسبينوزا، تأسست وفق تعاقد بين جميع الأفراد على خلق سلطة عليا تنظم الشأن العام وفق قوانين وتشريعات تخدم المصلحة العامة.

التصور المثالي: موقف هيغل؛ تحليل نص: دولة العقل

يرى هيغل أن دور ووظيفة الدولة لا يتوقفان على حماية الملكية والحرية الشخصيتين، والأمن، ولا يختزلان في فرض السيادة والقمع والإخضاع؛  بل يمتدان ويتحددان أساسا في نشر القيم الروحية والمبادئ العقلية والفكرية، وهي قيم ومبادئ أساسية بالنسبة للمجتمع حتى يتمكن الإنسان من إدراك إنسانيته. هكذا ينظر هيغل للدولة بما هي دولة العقل أو الفكر تسجد إرادة وروح الأمة كغاية في ذاتها تستمد مشروعيتها من ذاتها.

التصور الماركسي: موقف ماركس وإنجلز

تعتبر الدولة في نظر ماركس جهازا قمعيا لا يخدم مصالح الشعب، إنما يخدم مصالح فئة معينة منه، وهي الطبقة المهيمنة. وذلك بحكم انقسام المجتمع إلى طبقات متصارعة، ما دفع كل طبقة إلى البحث عن آليات ووسائل للدفاع عن مصالحها، ومن ثمة عملت الطبقة المسيطرة على خلق جهاز تقمع به باقي طبقات المجتمع، جهاز اصطلح عليه بالدولة، واعتبر وسيلة لإضفاء الشرعية على النظام السياسي والاقتصادي القائم على الاستغلال الطبقي للفئات الكادحة والهشة. بهذا المعنى ظهرت الدولة كنتاج للصراع الطبقي، وليس نتيجة للتعاقد الإرادي الحر، وبالتالي تستد مشروعية وجودها من الصراع الطبقي أو بالأحرى من الطبقة المهيمنة.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق