مجزوءة المعرفة درس مـفــهـوم الحـقـيـقة المحور الأول والثاني والثالث

محاور درس الحـقـيـقة

تقديم إشكالي للدرس: يحمل لفظ الحقيقة مجموعة من الدلالات، فهو يحيل على الواقع أي الموجود وجودا فعليا في العالم الخارجي وعلى ما هو ثابت ويقيني، كما يحيل على تطابق الحكم (الفكر) لموضوعه، ومن ناحية منطقية تعني الحقيقة مطابقة الفكر لذاته، ويتحدد مفهوم الحقيقة فلسفيا وعلميا بما تمت البرهنة عليه. هكذا تأتي الحقيقة في تقابل مع الوهم، المتغير، الزيف  أو الكذب، .. وهذا ما يجعل من الحقيقة إشكالا فلسفيا يثير مسألة أسس بناء الحقيقة، ومعايير تمييزها عن اللاحقيقة (الوهم، الرأي، الكذب،..)، علاوة عن قضية قيمتها.

المحور الأول: الرأي والحقيقة؛

تساؤلات إشكالية: ما الرأي؟ هل الحقيقة استمرار للرأي أم تجاوز له وقطع معه؟ بمعنى أخر هل علاقة الرأي بالحقيقة، علاقة اتصال واستمرارية أم علاقة قطيعة واقصاء؟ متى يصبح الرأي حقيقة؟ وبأي معنى يمكن الانطلاق من الرأي لتأسيس الحقيقة؟ وهل الحقيقة شيء معطى وجاهر أم أنها بناء وتشييد عقلي منهجي؟

موقف ليبنتز؛ تحليل نص الرأي الاحتمالي والعلم

إن للرأي دور أساسي في مجال المعرفة الإنسانية، والبرهانية (الرياضيات) على الخصوص، فالرأي بما هو احتمال حسب "ليبنتز" يعد معرفة، ويقدم لنا حجة من تاريخ العلم، رأي "كوبرنيك" بخصوص دوران الأرض حول الشمس وما تحقق من نظريات علمية، ف "كوبرنيك" كان وحيدا في رأيه لما اكتشف دوران الأرض، بل ولقي معارضة من علماء تلك الفترة، غير أنه رأي أصبح حقيقة علمية مبرهن عليها رياضيا وفيزيائيا.

يتبين إذن، أن الرأي لا يتعارض مع الحقيقة بل يعتبر أساسا ومصدرا لها. لكن هل دائما الرأي يساهم في بناء الحقيقة أم أنه يشكل عائقا أمامها؟

تصور غاستون باشلار؛ تحليل نص الرأي والعلم

يعتبر الرأي في نظر "باشلار" دائما على خطأ، لأنه لا يفكر، ويترجم الحاجات إلى معارف، ويعين الأشياء بحسب فائدتها وبذلك يمتنع عن معرفتها معرفة دقيقة. وعليه، فلا يمكن تأسيس الحقيقة العلمية على أساس الرأي، فهو عائق أمامها يجب هدمه وتخطيه. إن الحقيقة ليست معطاة بل يتم بناءها وذلك عبر جهد منهجي يتكامل فيه دور كل من العقل والتجربة.

 هكذا، تقوم الحقيقة على إقصاء الرأي واستبعاده، فهو كمعرفة معطاة وجاهزة يتعارض مع العلم (الحقيقة) كمعرفة مبنية.

المــحــور الـثــاني: معــاييـر الـحـقـيـقـة

تساؤلات إشكالية: ما معيار الحقيقة؟ أي كيف نميز الحقيقة عن أضدادها كالرأي والوهم والكذب؟ هل بالعقل ومبادئه أم الواقع ومعطياته؟ أم أن الحقيقة لا تحتاج لما يكشف عنها؟

تصور روني ديكارت؛ تحليل نص الحدس والاستنباط

في بحثه عن الطريقة الصحيحة الموصلة إلى حقيقة الأشياء، عمد "ديكارت" إلى الشك في كل المعارف والأحكام السابقة، بعد أن تبين له أن الحواس إنما تقدم معارف مزيفة وخادعة، فوجد في العقل ومبادئه؛ الحدس، والاستنباط، ضالته. ويقصد بالحدس الإدراك العقلي المباشر للقضايا الواضحة والمتميزة (المثلث له ثلاثة أضلاع، الدائرة لها مساحة واحدة)ن أما الاستنباط فهو عملية عقلية نستنتج وفقها قضايا جزئية لم نكن نعرفها من قضايا عامة يقينية معلومة لدينا من قبل، ليخلص إلى أن العقل أو البداهة العقلية (عدم التناقض) هي معيار الحقيقة، بحيث أن كل ما يبدو للعقل متميزا وواضحا ولا يمكن الشك فيه هو ما يعتبر صحيحا أي حقيقة.

لكن هل بالعقل وحده يمكن إدراك حقيقة جميع الأشياء؟

تصور دافيد هيوم؛ تحليل نص الحقيقة العقلية والحقيقة التجريبة

يؤكد "هيوم" أن البداهة العقلية كمعيار للحقيقة تصدق فقط على القضايا العقلية والرياضية التي لا نحتاج للتأكد من صحتها إلى مرجع أو مبدأ أخر غير العقل ذاته، لكن ليست كل القضايا عقلية خالصة، فهناك القضايا أو الوقائع التجريبية الحسية التي يستدعي إدراكها، اعتماد معيار الإحساس والتجربة. إن الأفكار ذات أصل حسي – حسب "هيوم"- والحواس هي التي تمنحها الصدق أو الكذب. إذن، فالفكرة لا تكون حقيقية إلا إذا جاء حكمها مطابقا للواقع التجريبي مطابقة تامة.

المحور الثالث: الحقيقة كقيمة

تساؤلات إشكالية: ما معنى القيمة؟ وما قيمة الحقيقة؟ ومن أين تستمدها؟ ما الذي يجعل من الحقيقة مرغوبة نبذل كل جهدنا في سبيل بلوغها؟ هل لكونها غاية أم وسيلة لتحقيق غايات أخرى؟

تصور ايمانويل كانط؛ تحليل نص الحقيقة قيمة أخلاقية / غاية في ذاتها

تعتبر الحقيقة غاية في ذاتها وقيمة أخلاقية تتأسس على الصدق وتجنب الكذب. فقول الحقيقة (الصدق) واجب أخلاقي ومبدأ كوني شأن الإنسانية جمعاء، وفي هذا يقول "كانط"؛ "الكذب يسيء جدا للغير دائما، حتى وإن لم يسيء إلى إنسان بعينه فهو يسيء إلى الإنسانية جمعاء". بهذا المعنى تعد الحقيقة التزام أخلاقي يعني الجميع، كواجب مطلق يسري في جميع الظروف فلا مناص من قول الصدق دائما حتى وإن ضر صدقنا بنا أو بغيرنا.

تصور وليم جيمس؛ تحليل نص الحقيقي هو المفيد / النافع

إن الحقيقي هو ما هو مفيد ونافع. فالأفكار لا تحمل في ذاتها أي قيمة خاصة، بل تستمد قيمتها من صلاحيتها الخارجية. بمعنى أن قيمة الحقيقة تقاس بمدى تأثيرها في الواقع ومدى الفائدة التي يمكن أن يحصلها الإنسان بعد تبنيه لفكرة ما. إذن، فالحقيقة تستمد قيمتها من خلال ما تحققه للإنسان من نتائج ومنافع عملية في حياته اليومية، وهذا المبدأ يمثل في الوقت نفسه معيار تمييزها عن غيرها.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق