نموذجية العلوم التجريبية دروس الثانية باك شعبة الأداب والعلوم الإنسانية

المحور الثالث: نموذجية العلوم التجريبية؛ مفهوم العلوم الإنسانية


أولا: تأطير إشكالي: لقد فرضت إشكاليتي المنهج والموضوع في العلوم الإنسانية عليها أن تتوزع إلى تصورين، الأول يرى بإمكانية أن تحذو العلوم الإنسانية حذو العلوم التجريبية، وبالتالي تقوم على موضعة ظواهرها الإنسانية، ودراستها وفق منهج التفسير، والتصور الآخر يرى أن العلوم الإنسانية مطالبة بالبحث عن نموذج يلائم خصوصية ظواهرها. وبناء على هذا التقابل نطرح الإشكال التالي: هل على العلوم الإنسانية إتباع نموذج العلوم التجريبية أم أن تجد لنفسها نموذجا خاصا بها؟

ثانيا: مطلب التحليلتصور النزعة الوضعية؛  مع "كونت"، و "دوركايم"

يقول "كونت": "إن الاستكشاف العلمي في السوسيولوجيا، شأنها في ذلك شأن البيولوجيا، يستخدم ثلاثة أنماط أساسية.. وهي الملاحظة الخالصة، والتجريب الدقيق، وأخيرا المنهج المقارن." يستفاد من هذا القول أن السوسيولوجيا (علم الاجتماع) كعلم يدرس الظواهر الاجتماعية، لا يختلف عن باقي العلوم في تعامله مع موضوعاته، بحيث يدرسها بنفس المنهج العلمي (التجريبي الاستقرائي)، بمعنى أن على العلوم الاجتماعية تتخذ من العلوم الفيزيائية والبيولوجيا خاصة نموذجا لها في ما يخص مسألة العلمية، والتعامل مع الظواهر الإنسانية والاجتماعية، كما قال "دوركايم" بوصفها أشياء.

لكن ألا يؤدي اعتبار الظواهر الإنسانية أشياء أو وقائع خارجية إلى تجريد تلك الظواهر (الفعل الإنساني) من كل دلالة أو معنى؟ ألا يستدعي ذلك البحث عن نموذج مغاير للعلمية غير النموذج الفيزيائي؟

تصور لابورت طولرا وجون بيير وارنيي:

يرى لابورت طولرا وجون بيير وارنيي أن العلوم الإنسانية لا تختلف عن العلوم التجريبية، إلا أن العلوم الإنسانية تحتاج جهدا منهجيا أكبر نظرا لجدتها وطبيعة الظواهر التي تدرسها. أما التداخل بين الذات والموضوع بالنسبة لهذه العلوم، فلا يجب أن يشكل عيبا فيها، بل هو مناسبة لتكييف النموذج التجريبي على خصوصية الظواهر الإنسانية. فالذاتية لم تعد تشكل مشكلة في العلوم المعاصرة، خاصة في الفيزياء النظرية، حيث أثبتت الذات قدرتها على تحقيق العلمية بناء على حضور العقل بشكل قوي خاصة لدى ألبير انشتاين. وبالتالي فإن تداخل الذات والموضوع أمر أصبح عاديا في كل العلوم.

ثالثا: مطلب المناقشة: تصور "لادريير"

"إن حقل الظواهر الإنسانية والاجتماعية يمكن أن يمنحنا صورة للعلمية مغايرة للعلمية في مجال الظواهر الفيزيائية، إلا أن هذا لا يعني انتظار ظهور نمط لعلوم الإنسان مغاير كُلية للشكل المميز للعلوم الطبيعية." بمعنى أن تطبيق النموذج العلمي للعلوم الطبيعية في مجال الظواهر الإنسانية أمر غير ممكن إذ تواجه الباحث في هذا الاطار عدة صعوبات، بحيث يجد نفسه أمام ظواهر حاملة لدلالات ومقاصد وقيم.. وهذا ما يستدعي وضع نموذج للعلمية خاص بالعلوم الإنسانية، وتبقى مسألة العلمية علوم الإنسان، ذاتية ونسبية.

لكن هل حضور ذاتية الباحث معناه انتفاء واستحالة تحقيق العلمية؟  الانفتاح على تصور كل من "طولرا"، و"ميرولوبونتي" ..

تصور فيلهلم دلتاي: (يمكن الاشتغال بهذا التصور حتى في هذا المحور)

يرى دلتاي أن العلوم الإنسانية تختلف عن العلوم الطبيعية، ولتبيان هذا الاختلاف سماها بالعلوم الروحية، ولا بد لهذه العلوم الروحية أن تبحث لها عن منهج يلاءم خصوصية ظواهرها، لا أن تعتمد على النقل الحرفي لمنهج العلوم الطبيعية. كما أن الاختلاف بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية يتجلى في الاختلاف بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة الإنسانية، فالظاهرة الطبيعية ظاهرة معزولة وخارجية، وقابلة للتجزيء، بينما الظاهرة الإنسانية ظاهرة كلية وشمولية تعبر عن التجربة الداخلية للفرد، إنها غير مستقلة عن الإنسان. وعليه فإن العلوم الإنسانية تفهم ظواهرها، بينما العلوم الطبيعية تفسرها.

رابعا: تركيب:

لقد فرض النموذج العلمي نفسه في حقل العلوم نظرا لما تمتع به من دقة في النتائج، وما استطاع الوصول إليه، مما جعل العلوم الإنسانية مطالبة بتبني هذا النموذج، واعتباره النموذج الأمثل في دراسة ظواهرها، لكن خصوصية الموضوع فيها جعل الكثير من علماء الانسان يتخلون عن هذا النموذج، ويبحثون عن آخر يلاءم خصوصية المادة المدروسة.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق