قيمة الشخص المحور الثاني الشخص بوصفه قيمة

الشخص بوصفه قيمة، قيمة الشخص.

مفهوم الشخص

دلالة المفهوم وإشكالياته:

   تشير كلمة الشخص في اللغة العربية إلى معاني الظهور والبروز، حيث إن فعل شَخُصَ يعني ظهر وبرز، والشخوص هو الظهور والبروز، كما يحيل على كل ما ارتفع عن الأرض وكان له شكل، بالإضافة إلى إحالته على شبح الإنسان وهو قادم من بعيد. وعليه فالكلمة في اللغة العربية تتجاوز الإنسان إلى باقي الأشياء الأخرى، مما يجعل دلالتها دلالة عامة وفضفاضة وشمولية. وهذا يدفعنا للانتقال لدلالة الكلمة في اللغتين الفرنسية والانجليزية، حيث تعود كلمة la personne في اللغة الفرنسية و the person في اللغة الانجليزية، إلى الأصل اللاتيني persona والتي تعني ذلك القناع الذي يضعه الممثل المسرحي لأداء دور شخصية ما في مسرحية معينة. وإذا كان القناع يحيل على معاني التزييف والخداع واللاحقيقة، على مستوى اللغات الأجنبية، وعلى العمومية والشمولية على مستوى اللغة العربية، فإن الدلالة اللغوية لا تمنحنا فهما عميقا ودقيقا للكلمة، مما يجعلنا ننتقل إلى البحث في دلالته الفلسفية، حيث نجد أن الشخص هو تلك الذات المفكرة والعاقلة والواعية، والتي تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية اتجاه أفعالها وأقوالها وسلوكاتها، وتمتلك هوية تجعلها في تناغم مع ذاتها، كما تمتلك قيمة، وتعيش وضعا وجوديا يتأرجح بين الضرورة والحرية.ما يجعلنا أمام ثلاث إشكاليات أساسية:

الشخص والهوية، الشخص بوصفه قيمة، الشخص بين الضرورة والحرية.

المحور الثاني: الشخص بوصفه قيمة

التأطير الإشكالي؛

شكلت قيمة الشخص امتدادا آخر لمفهوم الشخص، هذا الامتداد الذي تبلور مع الفلسفة الحديثة، فبعد ما كانت الفلسفة اليونانية تنزع القيمة عن الشخص الغريب، وتنظر للعبد كما تنظر للآلة، وتحتقر المرأة. وأيضا فلسفة القرون الوسطى التي تنزع عن الناس قيمتهم حينما يكونون خارج الملة والدين، أتت الفلسفة الحديثة لتحرير الإنسان من قبضة رجال الدين والسياسة، فظهرت الأنا المفكرة مع ديكارت، لتتوج بظهور الشخص الأخلاقي مع كانط. والقيمة عموما هي الخاصية التي إذا وجدت في الشيء جعلته مطلوبا ومرغوبا فيه، وبالنسبة لقيمة الشخص فقد اختلف حولها الفلاسفة عبر تصورين، الأول يرى أنها قيمة مطلقة تنبع من الذات، والثاني يرى أنها قيمة مشروطة تنبع من خارج الذات، وبناء على هذا التقابل يمكن طرح الإشكال التالي:

من أين يستمد الشخص قيمته؟ وهل هي قيمة مطلقة أم مشروطة؟ هل تنبع من الذات أم من خارج الذات؟

موقف إمانويل كانط: تحليل نص الشخص غاية في ذاته

يرى كانط أن الإنسان بوصفه كائنا عاقلا له قيمة مطلقة تجعل منه غاية لا وسيلة، ويستمد قيمته من عقله الأخلاقي العملي الذي يقوم على مبدأ أسمى وأمر مطلق يقضي بأن الطبيعة العاقلة غاية في ذاتها، وبذلك يميز كانط بين الإنسان الذي يمتلك قيمة مطلقة، وموضوعات الميول التي لا تمتلك غير قيمة مشروطة نظرا لكونها محرومة من العقل. وقد ارتبط موقف كانط بفلسفة عصر الأنوار التي حاولت تحرير الإنسان من نير الكنيسة واستعباد رجال الدين، بالنظر إليه على أن له قيمة، فكان شعار الأنوار هو رفع الحجر الممارس على العقل، وبالتالي فقد شكل موقف كانط اللبنات الأولى التي تأسست عليها ثقافة حقوق الإنسان، ومرجعا أساسيا لقوى التحرير والنضال ضد العبودية، خاصة مؤلفه "رسالة في السلام الدائم". 

موقف جورج غوسدورف: تحليل نص استقلالية الشخص (قيمة الشخص الاجتماعية)

ارتبط اسم جورج غوسدورف بالفلسفة المعاصرة، والتي قدمت نقدا لاذعا للفلسفة الحديثة، خاصة أنها كانت فلسفة مثالية حينما يتعلق الأمر بقضية الشخص بوصفه قيمة، وبالتالي سعى غوسدورف إلى تجاوز النظرة المثالية التي حصرت قيمة الشخص في عقله الأخلاقي، وحاول ربط هذه القيمة بالواقع، ومن هنا يقدم نقدا للفلسفات التي دعت إلى استقلالية الإنسان، ودعت إلى الفردانية، معتبرا أن الحالة الأولى للوجود الإنساني حالة جماعية، لم يكن فيها الإنسان ينفصل عن الجماعة، ولذلك فإن الأخلاق الملموسة هي التي تجعل الشخص يخرج من ذاته اتجاه العالم والآخرين، يشترك معهم ويتضامن. وفي هذا السياق يميز بين الفرد والشخص الأخلاقي، بحيث إن الفرد يعتقد أنه إمبراطور داخل إمبراطورية، ويتصور نفسه البداية والنهاية المطلقة، وأنه مركز الكون، وكل شيء وجد من أجله، في حين أن الشخص الأخلاقي شخص يؤمن بالوجود النسبي، ولا يتحقق وجوده إلا بالانفتاح على الآخرين والمشاركة معهم، حيث يؤمن بأن الحياة منح وعطاء بقدر ما هي أخذ. وهكذا فقيمة الشخص تنبع من خارج الذات، ومشروطة بالمشاركة مع الآخرين.

تركيب ختامي:

يتضح الطابع الإشكالي لقيمة الشخص من خلال ارتباطها بمصادر متعددة، حيث تكون قيمة منبعها العقل الأخلاقي مع كانط، الذي نظر إليها على أنها قيمة مطلقة، وأسس التعامل الإنساني على أساس مبدأ أخلاقي يجد منبعه في العقل، لكن غوسدورف ينظر إلى هذا التصور على أنه مثالي، وبالتالي يدعو إلى ضرورة ربط الإنسان بأخلاق واقعية ملموسة، تجعل من الإنسان شخصا أخلاقيا لا يتم وجوده إلا بالمشاركة مع الآخرين، وأشكال التضامن الأولي معهم.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق