الوعي واللاوعي مظاهر اللاوعي

مجزوءة ما الإنسان، المحور الثاني: الوعي واللاوعي

تأطير إشكالي؛

إذا كان الوعي يحيل على الإدراك والقصدية والشعور والتذكر، فأن اللاوعي كمفهوم مقابل للوعي تنتفي أمامه تلك السمات السالفة والتي يتحدد بها الإنسان، ما يكشف علاقة التوتر والتعارض بين المفهومين، ما يضعنا أما مجموعة من التساؤلات؛ أيهما يحدد الذات ويحكم حياتها النفسية؛ الوعي أم اللاوعي؟ كيف يتداخل عمل الوعي واللاوعي في تحديد هوية الذات وفهم دلالات أفعالها؟ ما هي أهم مظاهر وتجليات اللاوعي؟

نماذج من التصورات حول مسألة الوعي من جهة واللاوعي من ناحية أخرى:

موقف كانط تحليل: نص "الأنا والوعي"؛

يتحدد الإنسان في نظر كانط بوصفه الكائن الوحيد الذي يعي ذاته، فلحظة الوعي بالذات، كأنا، أي ذات واعية، هي لحظة حاسمة ولا محيد عنها في تطور الإنسان ولا تتأتى إلا عبر النطق بكلمة ""أنا"".
هذا الموقف المعبر عنه من طرف كان هو امتداد لموقف ديكارت، وفلسفات الذات أو الوعي، التي تعتبر الإنسان كائن واع ومفكر، متميز عن الكائنات الأخرى بالعقل... 

موقف ماركس تحليل نص (الوجود الاجتماعي والوعي)؛

إن ماركس وخلاف التصورات المثالية الممجدة للأنا بالفرد (الأنا وحدي)، يرجع الوعي إلى الوجود الاجتماعي، ويربطه بالعلاقات المادية التي تنشأ بين أعضاء المجتمع، وهذا ما تلخصه عبارته الشهيرة "ليس الوعي هو الذي يحدد الحياة الاجتماعية، بل إن الحياة الاجتماعية هي التي تحدد الوعي".

موقف نيتشه تحليل نص (الغريزة أقوى من الوعي)؛

ينتقد نيتشه كل فلسفات الوعي، ويبين بالمقابل أن الغريزة هي التي تحكم البشرية وتوجه سلوكات الذات، وأن الوعي الذي هو نتاج متأخر لتطور العضوية ما يزال مجرد شاشة سطحية وهشة، ف"الجانب الواعي من النفس هو آخر درجات تطور الجهاز العضوي، ومن ثمة فهو الأقل اكتمالا والأكثر هشاشة". وبهذا يحتقر نيتشه الوعي مقابل منح الغريزة قيمة فلسفية باعتبارها تحيل على التدفق وترتبط بإرادة الحياة. إن الناس يتوهمون أنهم يمتلكون الوعي.
إذن، إذا كان الإنسان يعتقد أنه يمتلك وعيا بذاته وبمحيطه وبعلاقاته مع الآخرين، وانه سيد نفسه فيما يقول ويفعل. ألا تكشف بعض سلوكاتنا أثناء حالات الغضب والانفعال والقلق، أو الأحلام الصادرة عنا  أثناء النوم عن جانب غامض من حياتنا النفسية؟ ألا يدل ذلك على أن الوعي ليس واضحا وشفافا بما فيه الكفاية، وأن الإنسان في نهاية الأمر ليس سيد نفسه؟

موقف غوستاف لوبون؛ (البعد الاجتماعي للاوعي)

يبرز لوبون في كتابه *سيكولوجية الجماهير*  "أن أفعالنا الشعورية تنبثق من بنية لاشعورية مكونة بالأساس من تأثيرات وراثية". وأن اللاشعور ليس فعلا فرديا فقط، بل يتخذ صبغة جماعية أيضا، إنه يعود إلى ماض سحيق يتمثل في السلالة والعرق، ويتمظهر من خلال تجليات ذات طابع طقوسي.

موقف ليبنتس؛

يؤكد ليبنتس أننا نجهل الانطباعات التي لدينا عن العالم، فإذا كنا نحس بالجزئيات وننفعل بالإدراكات الحسية الصغرى، فإننا عاجزون عن تبين المجموع المكثف من تلك الإدراكات والإحساسات في كليتها؛ فالإنسان يعتقد أنه يدرك كل شيء، ويعرف كل ما يدور حوله وفي أعماقه، بينما العكس هو الصحيح. "هناك العديد من العلامات التي تدفعنا إلى القول بوجود ما لا يتناهى من الإدراكات الحسية التي تُحدِث في كل لحظة من حياتنا تغيرات نلمسها في أنفسنا من غير أن ندركها أو نفكر فيها".

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق