الشخص بين الحرية والضرورة الشخص الحرية مطلقة أم مشروطة

مجزوءة الوضع البشري: مفهوم الشخص؛ المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية

تأطير إشكالي:

تعتبر إشكالية الشخص بين الضرورة والحرية من أهم الإشكاليات التي ناقشت الوجود الإنساني، وذلك لما لها من ارتباط مباشر بالوضع البشري وحدوده. ويمكن القول إنها الإشكالية الجوهرية في القرون الوسطى، والتي عالجتها الفلسفة الإسلامية كأهم قضايا الفكر الإسلامي وارتباط الإنسان بالقضاء والقدر. واستمر النقاش فيها إلى غاية الفلسفة المعاصرة، خاصة في طرحها لسؤال الحرية، وكيف تناولت العلوم الإنسانية الوضع الإنساني، واعتبرته خاضعا لإكراهات نفسية واجتماعية.. ويمكن تعريف الحرية مبدئيا بأنها القدرة على الفعل أو القول بإرادة من الذات، ودون تدخل قواهر داخلية أو خارجية، في حين يمكن تعريف الضرورة باعتبارها حالة من القهر تنفي الحرية عن الفعل الإنساني، وتجعله خاضع لإكراهات معينة، إما داخلية أو خارجية. ويتولد عن هذين التعريفين نوع من الإحراج يجعلنا نطرح الإشكال التالي: هل الشخص ذات حرة أم ذات خاضعة للإكراهات والضرورات؟

موقف جان بول سارتر: تحليل نص الإنسان مشروع حر، الحرية المسؤولة

وضعت الفلسفة الوجودية سؤال الحرية في صميم التفكير الفلسفي، حتى بات من الممكن القول إن الفلسفة الوجودية هي فلسفة للحرية. وقد اعتبر سارتر الإنسان كائنا حرا، وأن الوضعية الأولى للإنسان هي وضعية اختيار، فما أن يقذف بالإنسان في هذا العالم، ويعيش السقطة في الوجود، يجد نفسه أمام اختيارات لا نهائية يختار منها ما يشاء، ولذلك فهو مشروع مفتوح على إمكانات، دائم التجاوز والتعالي على الحالة التي كان عليها، وذلك بواسطة الأنشطة التي يمارسها. وقد اعتبر سارتر أن الوجود يسبق الماهية، فمنذ أن يوجد الإنسان تبدأ ماهيته في التشكل، ولا تستقر هذه الماهية إلا لحظة الموت، لذلك اعتبره مشروعا منفتحا نحو الأمام، دائم الاختيار، ومحكوم عليه بالحرية.

موقف إيمانويل مونييه: تحليل نص الحرية المشروطة

يرى إيمانويل مونييه أن الحرية ملازمة للواقع الإنساني ومحصورة في حدوده، فالإنسان لا يختار الوضعية التي يوجد عليها في البداية، بل إنه يكون محكوما بشروط اجتماعية وسياسية وغيرها، ولكنها يسعى للتحرر منها، ولذلك فالحرية حسب مونييه هي فعل، وهي تحرر في اتجاه شخصنة ذاته، حيث إن عملية التشخصن هي عملية سير من الكائن نحو الشخص، من الإنسان كأفعال غريزية نحو الإنسان كوعي وكحرية. وهكذا فلا توجد حرية مطلقة لدى الإنسان كما رأى سارتر، بل إنها حرية مشروطة بشروط مسبقة يعمل الإنسان على تجاوزها، لينتهي إلى حتمية أخرى، بمعنى آخر أن حرية الإنسان هي تحرك بين حتميتين، حتمية الوجود في شروط محددة مسبقا، وحتمية الموت.إذن فالحرية فعالية يجب أن تتجاوز الخطابات التي تمجدها إلى تأمين الشروط الأساسية لنموها، خاصة الشروط السياسية والاقتصادية.

تركيب ختامي:

يتضح من خلال ما سبق أن إشكالية الشخص والهوية أفرزت ثلاثة اتجاهات أساسية، الأول يرى أن الإنسان ذات حرة، وأنه يعيش وضعية تتسم بالاختيار، وهو التصور الذي تبلور مع سارتر، في حين نفت العلوم الإنسانية هذه الحرية، واعتبرت الإنسان خاضعا لضرورات، مثل الضرورات النفسية التي حللها فرويد في نظرية التحليل النفسي، وبين أن الإنسان يتحكم فيه اللاوعي. أما الاتجاه الثالث، فيمكن القول عنه أنه اتجاه توفيقي، يقول بالحرية المشروطة، أي أن الإنسان ليس حرا بشكل مطلق، ولا هو خاضع للضرورات بشكل مطلق، بل إنه يعيش وضعا يتسم بالتحرر من إكراهات مفروضة بشكل مسبق، يمكن التحرر منها وتجاوزها، وهذا ما أقر به إمانويل مموني.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق